ظنّ علي عبد الله صالح انه سيخطف الأضواء من مواطنته توكُّل كرمان التي اعاد فوزها بجائزة نوبل للسلام اليمن إلى صدارة الأحداث الدولية رغم أن ثورته الشعبية السلمية (كما يجب التنويه على الدوام) كانت محل متابعة حثيثة من عواصم القرار الدولي ودول المنطقة وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي التي تراقب «الحريق» اليمني عن كثب وبخاصة أنها ستكون أكثر الدول تأثراً (حتى لا نقول تضرراً) إذا ما سقط النظام القائم دون ترتيبات أو نقل «مضبوط» للسلطة يحول، على الأقل، دون وصول عناصر متطرفة أو ثورية أو قل يسارية تكتب للمنطقة جدول أعمال مختلفاً، ستكون له تداعياته الإقليمية المباشرة.
علي عبدالله صالح إذاً فشل في أحبولته الإعلامية التي زعم فيها انه سيتنحى في الأيام المقبلة ولأنه لا يعني ما يقول، فقد وقع في شرّ نياته السيئة بعد أن «وعد» بأنه سيكشف كل حقائق الأزمة الراهنة أمام اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى..
وبافتراض أنه سيعلن تنحيه في ذلك الاجتماع الذي سيصفه أنصاره بأنه «تاريخي» فإن "عقيد" اليمن قد بات جزءاً من الماضي وفقد كل تعاطف معه، لأنه وبعد ثلاثة عقود ونيّف، قد دمر بلاده وأورث شعبه الفقر والبطالة والانقسام الأفقي والعامودي وعمّق الصدوع بين مكونات المجتمع اليمني وحوّل حلم الوحدة إلى شروخ في النسيج الوطني وبين أبناء الوطن الواحد عندما جعل من جنوب اليمن وكأنها منطقة محتلة يُعامل «شعبها» كمواطنين من الدرجة الثانية وبلا حقوق، ما دفعهم إلى المطالبة بعودة جمهوريتهم السابقة التي قبلوا اندماجها في الشطر الشمالي وفق رؤية وقراءة صادقة ما لبث "العقيد" أن أدار ظهره واختار «الحرب» لإخضاع شعب الجنوب.
هنا والآن، وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً من توزيع كعكة السلطة على عائلته وأنسبائه وأصهاره، لم يجد «الرئيس» سوى السلاح لمواجهة شعبه الذي طالب برحيله سلمياً وبقي يناور ويشتري الوقت لإطالة أمد الأزمة ولإرسال رسائل إلى العواصم القريبة وتلك البعيدة التي ارتهن بلاده لخدمة مصالحها الإستراتيجية وجعلها ساحة تدريب بالذخيرة الحية (الطائرات بلا طيار) لقتل أبناء شعبه، كي يقول لهم انه ما يزال قادراً على «توفير البضاعة» كما كان على الدوام، منذ أن انخرط أو تطوع أو فُرِضَ عليه (لا فرق) في ما يوصف بالحرب على الإرهاب.
لكن «صلاحيته» بدت وكأنها انتهت، فلجأ إلى المناورة مرة أخرى وكانت المبادرة الخليجية هي «الورقة» التي لعب بها أو أُوحي له بأن يلعبَ بها، ودخل اليمنيون في لعبة التعديلات والتوقيعات التي يفوضها لنائبه ثم لا يلبث أن يسحبها إلى أن «احترق» الرجل جسدياً وليس فقط سياسياً وهنا جاء الدور على «الرعاة» الاقليميين والدوليين، ليعيدوا حساباتهم فلم يعد الرجل «حصاناً» يُراهن عليه بعد ان بدّد كل رصيده المتآكل اصلاً.
لكنه، وهو في النزع الأخير من مستقبله السياسي الآفل، أراد أن يبدو ضحية مؤامرة أميركية (نعم على غرار بن علي وآل مبارك وعقيد ليبيا)، فخرج على الناس يوم أول من أمس ليقول: انه وقبل أن يعود من السعودية جاءته رسالة من دولة كبرى (..) تقول: ننصح بعدم عودتك إلى الوطن لمصلحتك أولاً ولمصلحة اليمن ثانياً ولمصلحتنا ثالثاً.
وكي يُدْخِل عنصر الدراما على روايته المشكوك في صحتها فقد حاول استعطاف اليمنيين (على طريقة حسني مبارك عندما قال انه لن يغادر مصر، التي ولد فيها وسيموت فيها)، عبر القول: إنه رئيس دولة، مش ترانزيت وحامل شنطة، أولاً ماكنتش عميل، لا كنت عميل (يستطرد العقيد) ولا أنا عميل، لا استلم مرتباً، ولا موازنة من قطر عربي أو من بلد صديق، هذا غير وارد، لكن أنا احمل مبادئ وقيم الشعب اليمني وطموحاته».
هنا يتوجب علينا وقف الاقتباس، فالنص يفضح صاحبه واليمنيون-قبل غيرهم-يعرفون على من كان «وما يزال» يعتمد صالح في حكمه وكيف جيء به أصلاً إلى الحكم، وأساساً كيف بقي طوال هذه الفترة ممسكاً بكل مفاصل الحكم.... أن تنحى (وهذا مشكوك فيه) فلن يجد العقيد مَنْ يأسفُ عليه.
نقلاً عن الرأي الأردنية