ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس علي عبدالله صالح عن تخليه عن السلطة، سواء قبل طرح المبادرة الخليجية أم بعدها، فقد وعد خلال أشهر الأزمة في البلاد منذ ثمانية أشهر، لأكثر من ثلاث مرات بالتوقيع على المبادرة ولم يفعل، وظل يلعب على وتر كسب الوقت أملاً في إرهاق الخصوم الذين خبروا أساليبه منذ وصل إلى السلطة قبل 33 عاماً .
بالأمس قال صالح في الخطاب الذي ألقاه أمام أعضاء مجلس الشورى، إنه قرر أن يترك السلطة خلال الأيام القليلة المقبلة، ويخشى أن يكون قرار ترك السلطة رهناً بطريقة تتداخل فيها عوامل الانتقام من الخصوم، بعوامل الرضوخ للأمر الواقع، خاصة أن ساحات التغيير لم يتركها الشباب المؤمنون بحتمية التغيير، فحديثه عن ترك السلطة ليمسكها رجال من بعده، يمكن أن يأخذ تفسيرات عدة، يذهب بعضها إلى رغبة في توريث الحكم لنجله الذي يدير البلاد اليوم بشكل فعلي .
وهناك من بدأ يرى أن صالح قد يدعو خلال الأيام القليلة المقبلة، وقبل ترك السلطة، إلى اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى ل “تقرير مصير النظام”، بعيداً عن المبادرة الخليجية التي تلزمه بالتوقيع عليها لنقل السلطة، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، مع ما تحمله مثل هذه الخطوة من مخاطر على استقرار بلد ينزف أزمات، بخاصة أن النظام الانتخابي الذي جاء بصالح رئيساً لمرات عدة مطعون بجداوله الانتخابية، وهو بهذه الطريقة يضع عراقيل جديدة في طريق الحل وليس تسهيلات .
من يعرف الرئيس صالح يدرك أنه يُبقي في جرابه “حتى الرمق الأخير”، الكثير من المفاجآت التي يمكنها أن تنسف أية حلول، والخشية أن يكون إعلانه الأخير مجرد مناورة سياسية ضمن المناورات التي يجيدها صالح لتجميد قرار من مجلس الأمن الذي من المقرر أن يناقش ملف اليمن الثلاثاء المقبل .
لا يزال صالح يتحدث بلغة غير تصالحية، فهو يقول إنه سيترك السلطة، لكن آخرين سيتسلمونها منه وصفهم بأنهم “رجال صدقوا ما عاهدوا الله”، في رفض واضح للمبادرة الخليجية، التي تلزمه أن يوقع على نقل السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، الذي امتدحه كثيراً، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ترأسها المعارضة، وهذا يعني أنه يريد إدخال البلد في أزمة، إن لم تكن “أزمات” جديدة، إذا ما دعا إلى خطوة تنسف المبادرة الخليجية من الأساس.
سيكون من المفيد لليمن بدرجة رئيسة، وحتى للرئيس صالح ومنظومة حكمه أن يستحضر الحكمة ويعمل على نقل السلطة بشكل هادئ ومن دون أزمات إضافية، كما وافق عليها وحزبه، بموجب المبادرة الخليجية، فاليمن لا يزال يعاني المزيد من التشرذم والانقسام، والتمترس حول مواقف معينة يرفضها شباب الثورة والقوى المتطلعة للتغيير ما يزيد الأمر تعقيداً .
يجب على الرئيس صالح وحزبه أن يستوعبا أن اليمنيين لن يقبلوا بنسخة ثانية من صالح، فالوقت لم يعد يلعب في صالحهم، وعلى الجميع، بعد أن دخلت البلد مرحلة الأزمات المتوالية، سياسية واقتصادية واجتماعية، أن يتأكد من أن “نسخة ثانية من صالح” لن تتكرر .
على الجميع، وأولهم الحزب الحاكم، أن يتجاوزوا مرحلة حكم صالح، الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود من عمر ثورة عمرها خمسة عقود، أي أنه حكم اليمن أكثر من كافة الرؤساء الذين حكموا اليمن بعد الثورة، بل وحكم أكثر من الإمامين أحمد وأبيه يحيى قبل الثورة ، فهذا يكفي .
الخليج الإماراتية
المحرر السياسي لصحفية الخليج الإماراتية
هل يصدُق صالح هذه المرة؟ 1851