في زمن المجهول، وعالم النسيان، ومن خلف كواليس الدهر،ودهاليز الزمان، ومن وسط سراب الخوف وتقلبات الأيام، وبعيداً عن السياسة، ومسببات الألم والتعاسة، أردت الكتابة عن الحياة المليئة بالمعجزات، عن الحيرة والاضطراب، عن الفرح والحزن، عن أمور أصبحت طي النسيان، عن الذات و أسباب الاستقرار والاتزان.
خلوة مع النفس وتأمل
أن المتأمل لحالنا اليوم يجد عجب العجاب مما حل بنا من ذل وهوان، وقهر وحرمان، وتشتت وقلق، واضطراب وعدم استقرار.
إننا نعيش اليوم في عالم خليط من المتناقضات.
- فمرض السرطان يفتك بالملايين من بني البشر.
- والايدز يقتل المئات باليوم.
- والشذوذ الجنسي يعصف بالعالم وينذر بكارثة حقيقية .
- والجرائم تكاد تنهك العالم.
- والحروب والصراعات تتنامئ بشكل فضيع ووتيرة متسارعة!.
- والفقر يقضي على الكثير من المعدمين وذوي الحاجة .
وبين كل هذه العواصف والمحبطات يقف المرء حائراً لا يعرف أي طريق يسلك ولا أي سبيل يقصد، حينها يستدعي الأمر أن نجلس مع ذواتنا لـ( وقفة جادة صادقة،وخلوة للتأمل).
يؤكد علماء الاجتماع وفلاسفته أن كل شخص منا يمر بأربع مراحل في حياته من الحيرة والإرباك:
الأولى : في الدراسة واختيار التخصص : فالطالب يخرج من الثانوية العامة ويلتحق بالجامعة ولا يعرف أي تخصص يلتحق، ولا أي مجال يدخل، فيصاب بالحيرة والقلق والإحباط، بل إن هناك من يضيع السنوات وهو يتنقل من قسم إلى أخر،فيلتحق بالطب ويدرس فيه سنة أو سنتين ثم يرغب بالهندسة وهكذا.
شخصياً أرى أن هذا يعود إلى أمرين اثنين لا ثالث لهما، الأول: النزول عند رغبة الوالدين أو أحدهما، فالأب على سبيل المثال قد يكون طبيبا ولذلك لا يرى أمام ابنه أي مجال سوى ذلك المجال الذي سلكه هو.
والبنت يُراد لها أن تكون معلمة لان والدتها معلمة وهكذا.
الأمر الثاني: عدم وجود هدف واضح ومحدد لكل شاب بحيث يسعى لتحقيقه، فمعظم الشباب لا يعرفون ما الذي يريدونه في الحياة فحالهم، كحال الذي (ولد عادي،وعاش عادي، ومات عادي) وبالتالي كُتب على قبره (قبر عادي بن عادي بن عادي).
ولو تأملنا لحال الطفل عندما نسأله ما الذي تتمناه أن تصبح في المستقبل لوجدنا انه يقول وبكل براءة (طبيباً، معلماً)، ومن الخطأ أن نقابل مثل هذا الطموح بنوع من الاستهزاء والسخرية، مع أن علماء النفس يشددون على ضرورة تحفيز الطفل وتنمية موهبته.
• الحالة الثانية: في الوظيفة والبحث عن فرصة عمل: فكثير منا لا يعرف ما نوع العمل الذي يناسبه؟ فمرة يدخل وظيفة ثم يتركها ويلتحق بعمل حر ثم يتركه هو الأخر ويلتحق بمؤسسة ما ومع ذلك يتركها هي الأخرى فيحصل على العدم والإفلاس ويصبح في عداد العاطلين عن العمل !
• الحالة الثالثة: في الزواج واختيار شريك الحياة: وهنا حدث بلا حرج فكم من الشباب من يصاب بالحيرة والإرباك في مسالة اختيار شريكة حياته- شخصياً- أعرف الكثير من الشباب ممن يضعون الخطوط العريضة أمام ذلك،وهنا يكون الامتحان الصعب خصوصاً عندما يتدخل الأهل، فالوالد لا يرى لابنه سوى بنت فلان، فهي ذات حسب ونسب وأبوها يمتلك سيارة وفله ضخمة (!) والوالدة لا ترى إلا أبنت أخوها فهي وحدها من ستعتني بها وتخدمها وهكذا دواليك حينها يصبح الشاب عرضة للتدخلات الخارجية نتيجة عدم تمتعه بحكم ذاتي واسع الصلاحيات، وكذلك الأمر مع الفتاة أيضاً، لاسيما في مجتمعنا اليمني الذي يوصف بالمحافظ، فما على البنت إلا أن تقول نعم ولا يجوز لها أن تقول لا في الغالب ..!!
• الحالة الرابعة " في الطلاق والانفصال : فالزوج يرى الفراق والزوجة ترى المعايشة والعكس .
ولو تأملنا في هذه المسألة بالذات لوجدنا أن الأبوين قد يكونا سبباً من أسباب انفصال معظم الأزواج لاسيما في الأرياف والقرى نتيجة عدم الوعي.
وقفـــة
· قرأتُ ذات مرة عبارة بإحدى المنشورات تقول ( كف عن إيذاء نفسك) وتعجبتُ كثيراً كيف يؤذي الإنسان نفسه؟!!
وظليت أتأمل في هذه العبارة وأمعّن التأمل فيها ووصلتُ إلى نتيجة مفادها أن الإنسان عندما يحتفظ بذكريات الماضي وآلامه القاسية، فإنه يفتح على نفسه أبواب من التعاسة والشقاء، حينها يصبح عرضة للاضطرابات بسهولة.
أخيراً.. ما أحوجنا إلى مراجعة رصيدنا من الانجازات والإخفاقات، فالرأس أشتعل شيباً، والسيل بلغ الزبّد، والكيل طفح، والأقلام جفت، والصحف رفعت، والحال ينطبق عليه قول القائل (قبورنا تبُنى ونحن ما تبنا ياليتنا تبنا من قبل أن تبنى).
موسى العيزقي
خلوة للتأمل .. 2352