مفارقة عجيبة، فالرئيس الذي يحتفي اليوم بذكرى ثورة 26سبتمبر62م على نظام الأئمة السلالي العائلي هو ذاته الرئيس المنقلب على هذه الثورة وأهدافها ومبادئها الجمهورية، أعجب كيف لرئيس مثل صالح ونظامه العائلي الاحتفاء بمناسبة مجيدة أطاحت بحكم وراثي أسري شبيه بهذا الذي يواجه اليوم ثورة الشعب؟.
الرئيس وهو يلقي خطابه مساء الأحد الفائت ربما غفل حقيقة أن ثورة سبتمبر لم تقم على إمام ظالم فحسب، وإنما على نظام ملكي، وراثي، أسري، عنصري، لا مناص من استبداله بنظام جمهوري عادل.. ثورة لم تكن مطلقاً إلا ثورة على العهد البائد المتخلف، لم تكن مجرد ثورة لاستبدال إمام ملكي بإمام جمهوري، لا المسألة أكبر من إزالة عرش كهنوت وإحلال كرسي مستبد.
المفارقة الثانية هي أن الرئيس يحدثنا عن المؤسسة العسكرية باعتبارها واحدة من مكتسبات ثورة الجمهورية المملوكة للشعب وليس أحداً غيره، الواقع المشاهد يؤكد أنه هو من أحال هذا الجيش من قوة لحماية السيادة الوطنية والنظام الجمهوري إلى قوة لحماية الرئيس وحكمه الأسري والقبلي، فمن جيش وطني يحمي الثورة ومكتسباتها ونظامها الديمقراطي التعددي إلى مجرد حرس وقوات خاصة وأمن مركزي ومسميات عدة بلا مهام أو وظيفة غير حفظ وبقاء صاحب الفخامة في كرسيه وقصره المنيف، من مؤسسة وطنية مملوكة للشعب إلى قوات ووحدات خاصة بالأبناء والأشقاء والموالين للنظام.
الرجل لا يخجل أبداً مما فعله بهذا البلد وشعبه، ما أكثر جرائمه المقترفة بحق اليمنيين وثورتهم وجمهوريتهم ووحدتهم!، ما أقبح الواقع المشاهد الآن!، فبعد نصف قرن من ثورة الآباء والأجداد على الأئمة في الشمال والاستعمار في الجنوب؛ ها نحن الأبناء والأحفاد ثائرون على حُكم فردي عائلي لا صلة له مطلقاً بالثورتين أو النظام الجمهوري.
المفارقة الثالثة أن الرئيس لا يريد مغادرة السلطة ولو اقتضى الأمر قتل وإبادة كل المتظاهرين في الساحات، ومع هذا الهوس والولع بكرسي الرئاسة رأيناه مستكثراً على معارضيه التفكير بالحكم.. لقد تساءل كورع وزاهد قائلاً: لماذا ومن أجل ماذا كل هذه القرابين والدماء والخراب؟.
أمن أجل سلطة يُدَّمر ويُقتل ويُعبث بوطن ومقدراته واستقراره؟.. تساؤل عجيب كان الأولى بالرئيس طرحه على نفسه بدلاً من توجيهه إلى معارضي حكمه، فهو يحكم منذ يوليو 78م وبرغم هذه المدة الطويلة لا يتورع عن استخدام كل أدوات الدولة البوليسية القمعية في سبيل صيرورة حكمه.
المفارقة الرابعة هي أنه يتكلم عن دستور وعن تفويضه نائبه للحوار وتوقيع مبادرة الخليج وعن انتخابات مبكرة وصناديق اقتراع شفافة وعن حزب أغلبية وبرلمان وحكومة وعن سلطة شرعية ومعارضة بلا شرعية وعن جيش مؤيد للشرعية وجيش متمرد.
خُيل لي الرئيس وكأنه في بلاد أخرى غير هذه التي نعيش فيها ونعلم عنها ما لم تعلمه دول الخليج وأوروبا وأميركا، لا أدري ما قيمة مثل هذا الخطاب الممل والمضلل!.. إننا اليوم نتحدث عن ثورة شعبية، فبكل المقاييس والمعايير نحن إزاء وضعية ثورية جابية لكل مشروعية ونظام.
ولأنها ثورة، فإنه من عجب العجاب أن يعود الرئيس من منفاه لا ليحدثنا عن موافقته بترك السلطة وبما يجنب اليمنيين المزيد من النزيف والدمار والاحتراب، بل أطل علينا كواعظ زاهد لا علاقة له بكل ما يجري من قتل ودم وتخريب وإشاعة للفوضى والإرهاب والنهب.
محمد علي محسن
مفارقات عجيبة 2377