يوجد ثلاثة نماذج للانسحابات من المجلس الوطني تستحق مني التعليق بصفتي مراقب سياسي مستقل وليس كوني عضوا في المجلس لأن رأي المجلس يعبر عنه الناطقة باسمه الأستاذة حورية مشهور. ولكن الانسحابات المتتالية أثارت فضولي الصحفي فقررت كتابة انطباعي الأولي عنها، لأنها من وجهة نظري تمثل تخليا عن مسؤولية المساهمة في إسقاط النظام المطلب الأول لشباب وشيوخ الثورة.
من هذه الانسحابات انسحاب طريف يثير الضحك، وآخر يستحق النقاش وثالث انسحاب خطير يثير الشكوك ويقوض الثورة لمصلحة النظام البائد. وفيما يلي استعراض لهذه النماذج:
النموذج الأول:
انسحاب حسين الأحمر من المجلس، هو المثال الأبرز للنموذج الطريف، لأن المنسحب لم يدرج اسمه في قائمة الأعضاء أصلا، فظهر كمن يقدم استقالته احتجاجا على قرار فصله. وصحيح أن الشيخ حسين تدثر في انسحابه باسم مجلس التضامن الذي يرأسه، لكنه لم يشر في بيانه إلى أي اسم من أعضاء مجلسه يمكن أن يوافقه على الانسحاب، ولهذا فإن مثل هذه البيانات لا يجب أن نتوقف عندها كثيرا، فقد كان الأجدر بحسين أن يصدر بيانا احتجاجيا يتهم فيه المجلس بإقصائه من العضوية، كي نستطيع تصديقه، لكنه اختار أن ينبهنا إلى أنه تخرج من مدرسة علي عبدالله صالح المشهود لها بالقدرة على قلب الحقائق، ولهذا فاستبعاده أفضل من ابقائه، ولن أزيد أكثر من ذلك.
النموذج الثاني:
اعتذار عدد من قادة الثورة المشهود لهم بسنوات نضالهم الطويلة ضد الطغيان قبل الثورة الشبابية وأثنائها وربما بعدها وعلى رأسهم الأساتذة الكبار عبد الباري طاهر وعبد الله سلام الحكيمي وأحمد سيف حاشد، والأخت الكريمة توكل كرمان.
خروج مثل هؤلاء من المجلس يمثل خسارة كبيرة، ولكن المبررات التي أوردوها للخروج تستحق النقاش، إذا كانت هي المبررات الحقيقية ولم يكن لديهم أسباب أخرى يخفونها عنا.
أولاً : قولهم أن المجلس لم يعط أي نسبة تذكر في عضويته للشباب، هو زعم ترد عليه الفقرة اللاحقة من بيانهم نفسه التي تقول إن الشباب أعلنوا دائماً أنهم لا يريدون أن يكونوا أعضاء في مجالس رئاسية أو حكومية انتقالية، ولكنهم يصرون على أن يكون لهم القول الفصل في تشكيلها باعتبار أن ذلك حقهم وذاك واجبهم. هذا كلام جميل وأعتقد أن الشباب كان لهم دور في تشكيل المجلس والدليل على ذلك أن معظم أعضاء المجلس الرئاسي الذي اختاره الشباب استمرت عضويتهم في المجلس الوطني وأضيف إليهم أسماء أخرى من القيادات الشابة تشارك لأول مرة مثل الأخت منى صفوان والأخت بشرى المقطري والأخت توكل كرمان وعدد آخر لا يستهان به من الأصوات القوية التي تحظى باحترام واسع بين الشباب.
ثانياً : الزعم بأن المجلس تعمد إقصاء قوى الحراك الجنوبي وحركة الحوثيين غير صحيح لأن 23 زعيما من زعماء الحراك الجنوبي انسحبوا من المجلس لأسباب ستأتي مناقشتها في النموذج الثالث، أي أنهم أقصوا أنفسهم، في حين أن التشاور المسبق مع الحوثيين أسفر عن رفضهم المشاركة في المجلس، ولم يغلق الباب أبدا أمام مشاركتهم لو أرادوا المشاركة اليوم أو غدا. أما عن التهميش المزعوم لتعز والحديدة واب فهو يتناقض مع التأييد الكبير للمجلس في أوساط شباب هذه المحافظات الذين وصلوا إلى قدر كبير من الوعي بتركيزهم على اسقاط النظام قبل أي شئ آخر.
ثالثاً : اتهام أحزاب اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني بفرض وصايتهما على الثورة الشبابية يتضمن شيئا من التجني لأن الفرصة متاحة للجميع لخدمة الثورة بكافة الطرق الممكنة، والثورة هي التي فرضت وصايتها على المشترك واللجنة التحضيرية والفرقة الأولى مدرع وستفرض وصايتها لا حقا على الحرس الجمهوري والمؤتمر الشعبي وكل الأطراف المناهضة أو المؤيدة لها.
رابعاً: المخاوف من الدخول في حوارات وصفقات ومساومات سياسية مع السلطة الفاسده هي مخاوف لها ما يبررها ولكن وجودكم في المجلس هو السبيل الأفضل لمقاومة هذه المخاوف وليس الانسحاب المبكر.
النموذج الثالث:
اعتذار 23 من بين حوالي 58 جنوبيا وردت أسماؤهم في قائمة الأعضاء، عن المشاركة في المجلس لأسباب عدة لعل أهمها مطالبتهم بالمناصفة بين الشمال والجنوب في عضوية المجلس. وقد أعجبني رد الزميلة منى صفوان على هذه فكرة التقاسم في آخر مقال لها بالمصدر أونلاين، وأسوأ ما في فكرة المناصفة هو توقيتها الذي لم يكن موفقا موفقا لأنه خلق شكوكا بين الثوار في وقت حاسم من عمر الثورة. كما أن هذه الفكرة توحي أن هناك نية مبيتة لإعادة النظر في مشروع الوحدة من أساسه، وليس إصلاح مسارها الذي طالما ظل يطالب به عقلاء الجنوب. والغريب أن معظم المطالبين بالمناصفة هم أنفسهم أولئك الرجال الذين كانوا يطالبون منذ سنين بالمواطنة المتساوية، وعندما حان موعد تحقيق المواطنة المتساوية تراجعوا عن تحمل المسؤولية محملين أطرافا أخرى مسؤولية إقصائهم. فكيف لنا أن نصدق مبرر الإقصاء وهو يأتي من أعضاء في المجلس؟! وكيف لنا أن نجمع بين المناصفة والمواطنة المتساوية؟ فهل الحل الأنسب للقضية الجنوبية في نظر هؤلاء هو جعل المواطن الجنوبي يساوي أربعة مواطنين من تعز أو البيضاء؟ ألا يتنافى هذا مع المواطنة المتساوية التي نسعى لتحقيقها وحانت الفرصة الذهبية لترسيخها؟.
وقد يقول قائل إن التقاسم أو المناصفة لها ما يبررها بسبب وجود الثروات في الجنوب ونضوبها في الشمال، أي أن الثروة هي مقابل السكان، وللرد على هذا المبرر يجب على الأخوة والزعماء الأجلاء في جنوب اليمن أن يتذكروا النقاط التالية:
أولا: ثروات اليمن البترولية والغازية حاليا تتركز في ثلاث محافظات فقط هي شبوة ومأرب وحضرموت، وهذه المحافظات الثلاث أبدى أبناؤها تحمسا منقطع النظير للمجلس الوطني والمواطنة المتساوية والتغيير المنشود وهم أكثر وحدوية منا جميعا شمالا وجنوبا.
ثانيا: المحافظات التي ينتمي إليها معظم الموقعين على بيان الانسحاب مثل لحج وأبين والضالع، ليس فيها ثروات بترولية ولا غازية بل هي من أفقر المحافظات اليمنية في هذا الجانب. لكن هذه المحافظات غنية بأبنائها ورجالها ومهاجريها الذين يستطيعون تحويل اليمن كل اليمن إلى جنة من الثروات لو قرروا ذلك. ولكن للأسف مازلنا نكرر أخطاء الماضي وتدفعنا الأنانية للتنازع على جلد النمر. هذه الأنانية أدت بنا في الماضي إلى تسليم ثلثي اليمن إلى عصابات علي عبدالله صالح ومهدي مقولة، وقد تؤدي بنا في المستقبل القريب إلى تفتيت اليمن من أجل خاطر علي عبدالله صالح ورغبته السوداء للانتقام من علي محسن وصادق الأحمر بسبب انضمامها للثورة حتى لو كان ثمن الانتقام تدمير الوحدة اليمنية.
ثالثا: على المنسحبين أن يتذكروا أن نظام علي عبدالله صالح هو الذي حولنا جميعا شماليين وجنوبيين إلى مواطنين من الدرجة العاشرة، بل إن البعض منا تحولوا إلى شحاذين في الدول المجاورة سواء من ارتدى ثيابا رثة ليقف بها أمام أبواب المساجد في السعودية وقطر والكويت، أو من ارتدى ربطات العنق والبدلات النظيفة ليدخل بها إلى قصور الأمراء. ولا فرق لأن ما يجمع بين الفريقين هو التسول، وكلاهما من ضحايا نظام التسول الذي قامت الثورة للقضاء عليه. وأشقاؤنا لا يقولون هذا متسول جنوبي وهذا متسول شمالي بل يقولون هذا متسول يمني ولهذا يجب علينا أن نعمل سويا للقضاء على هذه الصورة البغيضة بتأسيس وطن كبير يعزنا جميعا، بعيدا عن الأنانية والمشاريع الضيقة.
رابعا: على المنسحبين من أبناء الجنوب ان يتذكروا أن محافظات الجنوب مليئة بالشرفاء، وأن المجلس الوطني قادر على أن يستوعب أي شخص يريد أن يشارك في تحمل مسؤولية إسقاط النظام، وليس هناك أي ضرر من زيادة نسبة المشاركة الجنوبية إلى 80% أو حتى 90% فالمشاركة في مسؤولية جسيمة كهذه مفتوحة لكل الجادين، ولن تكون مقصورة على أحد أما التقاسم أو المناصفة فإنها تعالج خطأ بخطأ أشنع منه.
خامسا: أتمنى من تلك الشخصيات أن ترتقي إلى مستوى الصراحة والصدق الذي يتحلى بهما الزعيم الجنوبي علي سالم البيض وأن تطالب علنا بفك الارتباط بدلا من المطالبة بالمناصفة، كمبرر لأجندة مخفية. وأنا كمواطن يمني مولود في الشمال قد يسيئني فك الارتباط مع الجنوب ولكنه لا يهين كرامتي، أما التقاسم المناطقي الذي يحولني إلى ربع مواطن في بلدي فإني سأرفضه لأن الثورة الشبابية قامت من أجل المواطنة المتساوية.
سادسا: على المنسحبين أن يدركوا جيدا أن المناصفة أو المحاصصة المناطقية لن تضمن أبدا الاعتراف بالقضية الجنوبية لأن هناك من أبناء الجنوب من يعمل ضد القضية الجنوبية وهناك من أبناء الشمال من هو أكثر إيمانا وحماسا لحلها من بعض أبناء الجنوب حرصا على الوحدة الوطنية وخوفا من تفتيت البلاد إلى مشيخات وسلطنات وإمارات حرب.
سابعا: على المؤمنين حقا بفك الارتباط بين الشمال والجنوب أن يكونوا أكثر ذكاء وأن ينتظروا إسقاط النظام قبل أن يتخلى أبناء الشمال عن ثورتهم الشبابية من أجل الحفاظ على الوحدة، فكما قال أحد قادة الثورة البارزين وهو الأستاذ الدكتور محمد الظاهري فإنا مستعدون للتضحية بالثورة من اجل الوحدة ولكنا غير مستعدين للتضحية بالوحدة من أجل إنجاح الثورة أو إنجاح المجلس. وليذهب المجلس إلى الجحيم إذا كان ثمن نجاحه هو تقسيم اليمن.
عن المصدر أونلاين almaweri@hotmail.com
منير الماوري
انسحاب من مسؤولية إسقاط النظام 2166