ظل مطلب تشكيل المجلس الوطني أو الانتقالي يلح على مسامع المتابعين للشأن اليمني منذ شهور، حيث كان الثوار في الساحات والميادين يرددون مطلب تشكيل مجلس انتقالي وطني يوحد قوى الثورة ويضاعف من عملية التصعيد باتجاه الحسم على مدى أكثر من شهرين.
ما جرى يوم السابع عشر من أغسطس الجاري يمثل خطوة نوعية بكل المعايير، خطوة باتجاه توحيد قوى التغيير في الداخل والخارج، في الشمال والجنوب، في الشرق والغرب، بغض النظر عن بعض ردود الأفعال هنا أو هناك، وحيث إن الفوز بعضوية المجلس لا يمثل مكسبا بقدر ما يمثل شيئا من التحدي والعبء الذي لا ينبغي أن يسعى إليه من يرغب في البحث عن السكينة والطمأنينة والسلامة الفردية، فإن على كل من حظي بعضوية المجلس أن يعد نفسه للمزيد من العمل والتضحية والسهر والمخاطرة بالكثير من الوقت والجهد والمصلحة، ولي هنا ملاحظتان لا تعنيان بأي حال من الأحوال التحفظ أو التردد في الموافقة على كل ما خرج به اجتماع الجمعية الوطنية والملاحظتان هما:
1. إنني أتفهم كلية ما يطرحه أبناء المحافظات الجنوبية بضرورة تمثيل الجنوب بنصف عدد أعضاء المجلس وهو مطلب منطقي أعتقد أن تلبيته ستعيد الثقة لأبناء الجنوب بعد أن افتقدوها في عهد علي عبدالله صالح الذي حول الجنوب إلى مجرد ملحق جغرافي بلا تاريخ ولا حضور ولا ثقافة ولا اعتبار معنوي لدولة دخلت طوعاً في المشروع الوحدوي الموءود، ومع تأييدي لهذه الموضوعة ومع تصوري أن ما يقارب 48% من أعضاء المجلس هم من أبناء المحافظات الجنوبية، فقد كنت أتمنى أن يحتفظ الإخوة المنادون بهذا المطلب،للعمل على تحقيقه من خلال عمل المجلس الذي ما يزال منفتحاً لتوسيع العضوية لتشمل كل ألوان الطيف السياسي المنادي بالتغيير.
2. لقد كنت أتمنى أن يتسع تمثيل الساحات ليمثل الشباب في عموم المحافظات الغالبية من عضوية المجلس وهذا سيمثل اعترافاً بفضل الشباب في تفجير الثورة والتمسك بسلميتها وتقديم التضحيات في سبيل تحقيق أهدافها.
أما ما يدور الحديث عنه بضرورة تحديد الرؤية لحل القضايا العالقة، فأتصور أن المشاركين في عضوية المجلس يستطيعون أن يقدموا أطروحاتهم ومن حقهم أن يتشبثوا بما شاءوا وتسجيل مواقفهم من داخل المجلس وليس من خارجه، لأن الانسحاب من أول يوم يعني سد الطريق على أي مناقشة للقضايا موضوع التباين.
إن كل الذين أبدوا تحفظاتهم حول تناسب تركيبة أو طريقة أو شكل اختيار المجلس ينطلقون من اعتبارات مشروعة ونبيلة في معظمها، ومع تفاوت الأهمية لكل من هذه الاعتبارات، لكن الحلقة المركزية في اللحظة الراهنة ليست كم نسبة هذه المحافظة أو تلك أو هذا التيار أو ذاك في تركيبة المجلس، لأن المجلس هو وسيلة وليس غاية وسينتهي بمجرد إنجاز الحلقة المركزية في مهمات الثورة، وهي إسقاط النظام والشروع في وضع اللبنات الأولى لبناء الدولة المدنية المنشودة، لكل هذه الاعتبارات فإن كل الجهود ينبغي أن تتجه نحو إنجاز هذه الحلقة المركزية، ثم بعد ذلك من حق كل واحد طرح الرؤية التي يراها مناسبة، بشأن أي قضية من القضايا، لأنه ببساطة بعد انتصار الثورة ستكون آفاق حل القضايا الخلافية مفتوحة أكثر مما هي عليه اليوم.
وأخيراً يمكن التنويه إلى أن تشكيل مجلس يرضي كل الناس سيظل أمر غير ممكن، لأن لكل لون سياسي وكل اتجاه وتيار أولوياته، لكن ما جرى يوم 17/8 يأتي في إطار الاتفاق على القواسم المشتركة ولا بد أن تأتي اللحظة التي يجري فيها تناول القضايا الملحة ذات الطبيعة المركزية والتي تأتي أولويتها تماماً بعد أولوية إسقاط النظام وفي مقدمة ذلك الموقف من القضية الجنوبية التي يتوقف على طريقة معالجتها مستقبل اليمن كل اليمن.
برقيات
* أبدت وسائل الإعلام الرسمية غبطة كبيرة بظهور بعض الآراء حول المجلس الوطني، لكنها تناست أنه لا أحد من كل المتحفظين ولو أكثرهم شططاً لم يقل أنه مع بقاء النظام أو ضد الثورة الشبابية السلمية العظيمة.
* من المؤكد أن كل الذين أبدوا بعض التحفظات حول تركيبة المجلس وتناسبه وتمثيله وغير ذلك لا ينوون ابتزاز الثورة أو لي ذراع القائمين عليها كما صورت وسائل الإعلام الرسمية، لكن المؤكد أيضاً هو أن بقايا النظام تشعر بالسعادة وهي ترى قوى الثورة تتنازعها التباينات، وتختلف فيما بينها في حين يستمر ما تبقى من النظام في ممارسة العقاب الجماعي دون أن يرف لها جفن من الخجل.
يقول الشاعر:
كن كالنـــــــــخيلِ عن الأحقادِ مرتفعاً × يؤذى برجمٍ فيعطي خير أثمارِ
واصبر إذا ضقت ذرعاً والزمان سطا × لا يحصل اليسرُ إلا بعد إعسارِ
د. عيدروس نصر ناصر
عن المجلس الوطني 1857