في الوقــت الذي لا يزال الرهــان فيه قائماً على الصــالح لإنهاء حدة الاحتقان في البلد، وفي الوقت الذي أصبح الجمــيع يُدرك فشــل اللعبة السياسة وفشــل أجهزة الأمن القومي في تحوير القضية الجوهرية في اليمن، وتسطيحها من ثورة قامت بشــرعية تٌناهز الاستبداد والطغيان والحكم الفردي الشمــولي وتٌناهز معها فكرة ( التوريث ) التي لا تزال وبكل هوس مُتجذرة (بعُمق الرغبات) لرئيس كان يفترض به أن يدرك فداحة أخطاء توريث السلطة وهشاشة مُبرراتها ومارافقها من تأجيج لعُنف لم يكن هو نفسه بمعزل عنها.
يأتي الخطاب الأخير للرئيس وكما شاهدناه مُصدّراً للعنف، تتصاعد فيه وتيرة التحدي مُحتفظاً-اي الرئيس- بكامل غطرساته, بل ومُحرضاً بحجة واهية على قمع الثورة السلمية تحت ذريعة المتسلقين. والانتهازيين و"الزندنية" حسب تعبيره.
في حين كُنا نأمل: أن يكون خطابه دعوة لتنازل جاد يحترم حق شعب خرج نصفه أعزل، بدلاً من تجهيل شبابه بوصفهم " ضحايا".
كما كُنا نأمل أيضاً أن يرى فيها "فخامتة" فرصته الأخيرة لاستيعاب الواقع واستيعاب شــكل الصراع في البلاد وحدة المأزق بدلاً من تسطيح فكرة الثورة تحت غطاء سخيف مفاده: قطع الطرقات وقطع إمدادات الكهرباء والنفط وإرهاب الناس والعمل على تقويض الأمن، (وهي أمور لا تتسق مع حقيقة ما يحدث وحقيقة المسؤولين عن حدوثه(.
والغريب أن "فخامته" قد اعترف بأن ما في البلاد هي ثورة- بعبارة تُشــبه الهفوة التي قد يعتريه الندم عليها لاحقا- مخاطباً شباب الجامعة ( لقد سرقوا ثورتكم ) هذا كله بعد نعتهم بأقبح الصفات و(سرقة الثورة) إعتراف ضمني من نظام كانت تستهدفه بدرجة أولى، وتأكيد لشرعيتها.. لذا كان يفترض أن تتبع هــذه العبارة دعــوة حقيقية لإنقاذ البلاد من رغبات الصــراع والحرب الأهلية التي لازالت تُصدرها بقايا أركانه, ولازال الحرس الجمهوري يخوض أشرسها في صورة التصفيات ضــد، قبائل أرحب شمال صنعاء وضــد مدينة اليمن الحالمة ( تعز)انتقاماً وإيغالاً في الِعقاب لخروج شبابها العزّل، مطالبين بعهد جديد، ناهيكم عن الوجه الآخر والمُتمثل بقطع التيار الكهربائي وإغراق البلد في حـالة ظلام مع سـبق إصرار وتخطيط.
إن لهجة باردة كهذه يغلفها التهديد لن تثني الشعب عن مواصلة الإعتصام والتمسك بكامل حقوقه, دون قيد أو شــرط بل ربما تكون لهجة "فخامته" تلك حدثاً مرحباً به ذلك لا أنها تعني أن الثورة ستزداد صلابة حتى بعودته وحتى بعودة الوعيد ومعه أزيز الرصاص.
ليدرك هؤلاء -مصدرو الخطابات العثة: أنه لم يعد بالإمكان خداع هذه الشعوب أكثر وأن خداعهم كان أمراً من الماضي ولا سبيل إلى عودته أو تجديد سيرته.. وإن شرعيتهم سـقطت حتى قبل أن تندلع شرارة الـ(بو عزيزي ) في تونس.
ماذا تبقى إذاً؟ وأي عقاب في جعبة هذا النظام -وقائده- مازال عصياً على التنفيذ..,خاصة وأن أبشع وسائل الموت استخدمت ومازالت ُتستخدم،وأبشع وسائل الانتقام والتشهير المكثف مُورست على كل الجبهات وبكل الوسائل.
والمثير للسخرية أخيراً أن "فخامته " كان يوجه خطابه للمؤتمرين وبلهجة عنصرية شديدة النُكران وكأنه ليس هذا الوطن لسواهم والحق الذي أُغتصب إنما أُغتصب لأجل هؤلاء وما السماء والنفس والأرض إلا تركة تقاسمها مع مُريديه.
فيصل الهلالي
الجديد في خطاب صالح الأخير 1943