لعقود خلت ظلت هذه الأنظمة ترعى إيديولوجيات الموت المُنظم، لتُحيي في المقابل جهاز مناعتها، من عسكر ومخبرين وهمج ولوائح تشرع فيها لنفسها الحق والأرض والأزل، وتزهق من يفتش عن أسباب أخرى لبقائة، تعقد الصفقات والقمم لاستعراض بزاتها ونِعالاتها جواربها، وأنسابها، وتسخر من تل أبيب فوق منابر الخطابة، وفي صكوك ديبلوماسياتها المقدسة توقع موتنا الجماعي، تمنع اجتهاد النخب وتصطفي لأغبيائها الجلوس فوق أنفاسنا ومصائرنا تدمغها بالعار وترميها في المحرقة.
صمتنا كثيراً وكنا الضحايا على مذبح النوايا، تركناهم يعبثون، أسلمنا الرُفاة فبنوا فوقنا هياكلهم وزنانيهم وأقبية الظلام، والتفتيش مدوا خوازيقهم، تناسلوا مُستعمرات، فخخونا بالدعوات لشقاق غابر، بأسم العرف والقبيلة والمذاهب والمقابر والنصوص العثة، وكنا طيبون نُصدر الصبر حتى الذروة لا نشكتي لا نسأم، مواكب العسكر تذرع الساحات فلا نسأل كم أعداء لنا؟ ماكينات التوسع تقظ بضجيجها الأرض فلا نقول كم أجيال لنا قادمة؟ طيبون: يحرفوف بنود ويعبثون دستوراً تلو آخر، فلا نسأل لما هذه البلاد فقط، إنتخاب مطلق لنعالات الحاكم، ومن دون كل الأرض تخضع للتوريث، ومن بين الهبات تقسم تركة خالصة لفرد وأقرانه وجهاله ومادحوه وعبيده.
طيبون يسخرون منا، يهمشونا، يقصونا في مزابل التأريخ وإن خرجوا للساحات نصطف كالتابعين كالمُريدين ونهتف بإسم من أحالوا أوطاننا خرابات وأضرحة وشعوبها موتئ!
وحين بلغ السيل الزبى: لإحراق شاب أضرمت جسد البلاد إلا وفتيلها تتأجج منذ أمد، ولا ثائر أعتلى منبر ليحرض الجموع إلا وتسبقه صرخات مكممة صعدت من أعلى الحناجر كالرعود، تلوي بلائتها النظام والغطرسة، وتسقط اليأس والعقود والخوف والهيمنة، ولا طيبة تشهدها البلاد إلا ويطغى عليها الغضب، فلا صمت بعد الآن، لا مُســاومة.
فيصل الهلالي
حتى نعالات الحاكم! 1992