;
د. أحمد يوسف أحمد
د. أحمد يوسف أحمد

النظام العربي وتحدي الثورة 1974

2011-08-18 04:48:10


يبدو النظام العربي في تعامله مع الحركات الاحتجاجية والثورية في الوطن العربي في حالة ارتباك عظيم تنطوي في أحيان كثيرة على فقدان المبادرة وازدواجية المعايير وغياب الفعالية. في الحالتين التونسية والمصرية تم إسقاط رموز النظام القديم بسرعة نسبية، ولذلك لم يتعرض النظام العربي لمحنة بلورة موقف معلن مما يجري فيهما، أما في الحالات اليمنية والليبية والسورية فقد طال الأمد، وسالت دماءً غزيرة، فيما أصاب الارتباك الظاهر موقف النظام العربي مما يجري.
كانت البداية بموقف الجامعة العربية من الأحداث الليبية. بدا الموقف غير مألوف، فقد حرمت ليبيا من حضور كافة اجتماعات الجامعة ومنظماتها، ثم وُوفق على التدخل لحماية الثوار الذين حملوا السلاح ضد النظام القائم، غير أن هذا التدخل كان للأسف منوطاً بمجلس الأمن وفقاً لقرار الجامعة، وفيما بعد آلَ الأمر كله إلى حلف الأطلسي الذي اتسم تدخله العسكري حتى الآن بعدم الفعالية، ولا يدري المرء أيرجع السبب في ذلك إلى قيود العملية العسكرية نفسها (كعدم التدخل بقوات برية) أم إلى رغبة متعمدة في إطالة أمد الصراع لغرض في نفس يعقوب؟، لكن المحصلة أن الثورة الليبية امتدت شهوراً دون أن يُحسم الموقف لصالح أي طرف، علماً بأنها الحالة الوحيدة التي يحاول فيها الثوار إسقاط النظام بعمل عسكري، وبالتالي من المتوقع أن يكون نزيف الدماء فيها أشد.
وفي الحالة اليمنية اختلف الموقف إلى حد بعيد، إذ إنه باستثناء تصريح خجول صدر عن الأمين العام السابق للجامعة العربية لم تحظ الثورة اليمنية بأي اهتمام عربي شامل على المستوى الرسمي، وإن كان مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد ملأ هذا الفراغ على الأقل باعتبار أن اليمن يقع على حدوده، ومن شأن ما يجري فيه أن تكون له تداعيات على دول المجلس، ومن هنا تبلورت المبادرة الخليجية التي لوحظ فيها أنها استجابت للمطالب الشعبية بخصوص تنحي الرئيس، وإن حاولت العمل على تنفيذ هذه المطالب بما لا يفاقم عدم الاستقرار، وللأسف أن مراوغات الرئيس اليمني ومناوراته قد حالت دون تنفيذ هذه المبادرة حتى الآن، وقد تدهورت الأمور إلى أن وصلت إلى حد محاولة اغتيال خطيرة لرموز النخبة الحاكمة وفي مقدمتها الرئيس نفسه، وبعد أن بدأ الرئيس يتماثل للشفاء عاد الحديث عن المبادرة الخليجية، وإن كنت لا أتصور أنه سيقدم بإخلاص على تنفيذها تاركاً اليمن لمزيد من الدماء واستنزاف الموارد.
وفي الحالة السورية أدى الدور العربي المهم لسوريا إلى إخفاق قطاعات رسمية وشعبية في التوصل إلى تكييف سليم لما يجري، حيث ظهر الميل واضحاً إلى اعتباره مؤامرة خارجية الهدف منها النيل من سوريا ودورها القومي، غير أن الطابع الشعبي الواضح للحركات الاحتجاجية جعل من الصعوبة بمكان القبول بهذا التكييف، وقد اقتصر الموقف العربي من سوريا في البداية على تصريحات لأمين عام الجامعة العربية السابق أغضبت النظام السوري، ثم زار الأمين العام الحالي سوريا والتقى رئيسها، وأعرب عن ثقته في أن سوريا تسير في طريق الإصلاح، وإن كان الاستمرار المفزع لاستخدام القوة المفرطة تجاه المتظاهرين قد ضيع الأثر المتصور لتلك التصريحات، وأخيراً كانت دول مجلس التعاون للمرة الثانية هي المبادرة بموقف مسؤول تجاه ما يجري في سوريا، فطالبت بوقف إراقة الدماء، وتم استدعاء عدد من السفراء الخليجيين في دمشق للتشاور. وبعدها تحرك موقف مصر قليلاً، فأعلن وزير خارجيتها أن إراقة الدماء يجب أن تتوقف، مع التمسك بالموقف الرافض لأي تدخل خارجي.
وثمة ملاحظات عديدة على هذه المواقف العربية السابقة تجاه ما يجري في عدد من البلدان العربية، ويلاحظ أولاً أنه تمت الموافقة على التدخل العسكري الخارجي غير العربي لدعم ثوار ليبيا، غير أن هذا الموقف لم يتكرر في الحالات الأخرى نظراً للآثار المريبة لتدخل حلف الأطلسي في ليبيا، وأصبح التدخل بعد ذلك سياسيّاً عربيّاً أو بالأحرى خليجيّاً كما توضح الحالتان اليمنية والسورية، وذلك مع ملاحظة أن الإدارة الأميركية كانت منذ البداية حاضرة بقوة على الصعيد السياسي كالحالة اليمنية، ربما بسبب الخوف من أن مزيداً من عدم الاستقرار في اليمن يمكن أن يؤدي إلى انتشار الإرهاب فيه عامة، وتمدد تنظيم "القاعدة" بصفة خاصة، ويلاحظ ثانيّاً أنه باستثناء الحالة الليبية لم يكن التدخل العربي شاملاً، وإنما اضطلع بتبعاته مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وليس الجامعة العربية كما كان الحال في الثورة الليبية، ويلاحظ أخيراً أن المواقف العربية بصفة عامة لم تفض إلى إنجاز محدد حتى الآن، ولا هي حتى سعت إليه باستثناء الحالة اليمنية التي بذلت فيها دول مجلس التعاون جهوداً محددة من أجل التوصل إلى حل سياسي. وفيما عدا هذا اقتصرت المواقف العربية على إبداء التعاطف مع الثوار الذين تعرضوا لاستخدام مفرط للقوة، والمطالبة بضرورة توقف استخدام العنف ضدهم، دونما طرح لمبادرات سياسية محددة من شأن نجاحها أن يؤسس قاعدة لإنهاء العنف.
ويمكننا أن نخلص بسهولة إلى أن المواقف العربية سواءً على المستوى الجماعي أو على مستوى التجمعات الفرعية ليست كافية للخروج من محنة عدم وجود سياسة تجاه عملية التغيير الذي تجري محاولاته في ليبيا واليمن وسوريا، وذلك بمعنى محدد هو أن حلاً نهائيّاً واحداً لن يتم التوصل إليه بفعل عربي في أي من الحالات السابقة. وأعتقد أنه آن الأوان لتطوير المواقف العربية في اتجاه البحث عن حلول، دون أن يضمن هذا التوصل إلى الحلول المطلوبة، ولكن المعنى الرمزي البديهي والمهم هو أن النظام العربي يأبه لما يجري داخله، إذ لم يعد مقبولاً أن تكون إدارة كل أزمات النظام بأيدٍ خارجية تتنوع بين قوى إقليمية وقوى كبرى وأطر إقليمية وأخرى عالمية، ولكنها تشترك جميعاً في غياب البعد العربي عنها أو على الأكثر هو حاضر دون تأثير يذكر على مجريات الأمور. وقد حدث هذا بطبيعة الحال في الصراع العربي-الإسرائيلي وبصفة خاصة المشكلة الفلسطينية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وفي مشكلة الصحراء (الأمم المتحدة)، والصومال (إثيوبيا والاتحاد الأفريقي)، والعراق (الولايات المتحدة)، والسودان (خليط من القوى والأطر الإقليمية والدول الكبرى).
وقد آن لهذا الوضع أن ينتهي ليس بالصوت العالي أو الإدانات التي تصدر عن الدول العربية، وإنما من خلال اجتماعات رفيعة المستوى غير علنية تشارك فيها كافة الأطراف المعنية، وتبحث في التوصل إلى حلول سلمية في اتجاه الإصلاح والتغيير، ثم تحاول إقناع هذه الأطراف بجدوى ما توصلت إليه، وليس هذا بالأمر السهل بطبيعة الحال، وخاصة أن هذه الحلول لابد أن تنطوي على تغيير حقيقي في المعادلات السياسية القائمة، ولكن الضغوط العربية يجب أن تكون حاضرة إلى جانب الضغوط الداخلية ومحاولات التأثير الخارجي في مجريات الأمور لمصالح غير عربية بطبيعة الحال. ذلك أن صعوبة الطريق ليست مبرراً لعدم السير فيه، وربما يكفينا هنا شرف المحاولة إذا لم ننجح في عمل شيء، ناهيك عن أن الغياب العربي ونجاح حركات التغيير لاحقاً يمكن أن يفضي بنا إلى نظام عربي أكثر تشرذماً لا تحمل فيه النظم العربية الجديدة أي نوع من الود تجاه هذا النظام.
نقلاً عن جريدة الاتحاد الإماراتية

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد