رغم مرور سبعة أشهر على انطلاق الثورة اليمنية، وخروج الشباب ومعظم فتات الشعب اليمني إلى الشارع، وتنظيم الاعتصامات المفتوحة في ساحات الحرية والتغيير في (17) محافظة من عشرين محافظة يمنية، لم يبد المراقبون السياسيون أي تقدم لهذه الثورة الشبابية أو تحقيق أحد أهدافها والسبب لأنها سلمية، والجميع يدرك ذلك سواء المعتصمون أو النظام وكذا الأشقاء أو الأصدقاء وبالذات السعودية وأمريكا والاتحاد الأوروبي، فالنظام لم يسقط بعد، حيث لا يزال صالح هو الرئيس اليمني والمؤتمر هو الحزب الحاكم وأبناء صالح والأقارب هم من يحكم البلاد اليوم، حتى موضوع تواجد الرئيس في الخارج مع كبار مسئولي الدولة منذُ حادثة النهدين - طبعاً لا علاقة له بالثورة الشبابية والمعتصمين في الساحات - وقد يعود الرجل ليتربع على كرسي الرئاسة من جديد، لكن في المقابل هنالك تدهور خطير في البلاد بشكل عام وبشتى المجالات، مما ينذر باندلاع حرب أهلية أو انتشار المجاعة وتفتيت البلاد إلى دويلات صغيرة ومتناحرة، خاصة في ظل استمرار نزيف الدم بشكل يومي وسفك دماء الأبرياء الآمنين بمنازلهم في مختلف محافظات الجمهورية، إلى جانب الاعتداءات التي تطال المعتصمين بين الحين والأخر وتصل معظمها إلى القتل، وبالرغم أن البلاد تشهد ثورة حقيقية منذ السبعة الأشهر الماضية شاركت فيها معظم القوى الوطنية المتواجدة على الساحة وليس أحزاب المعارضة فقط، وحدوث انقسام في الوحدات العسكرية، إلا أن الأشقاء في دول الجوار لا زالوا يتعاملون مع ما يحدث اليوم في اليمن على أنها أزمة وليست ثورة، وكذلك هو الحال بالنسبة للدول الصديقة التي لا تزال مواقفها متذبذبة ولم تعلن ذلك الموقف الواضح والتصريح من الثورة اليمنية كما هو الحال للثورات العربية الأخرى سواء المصرية أو التونسية وكذا الليبية، ويرجع بعض المحللين ذلك إلى حرص الأصدقاء على مصالحهم في المنطقة، وخاصة في دول الخليج التي وصفت ما يجري باليمن في خانة الأزمة ويتم التعامل معها بهذا الأساس ليتمخض عن ذلك الموقف خروج مبادرة صلح كانت في الأساس ميتة قبل أن يتم طرحها على جميع الأطراف، الأمر الذي دفع بالملايين من أبناء هذا الشعب الطيب للتساؤل: لماذا يتم التعامل معنا من قبل الأشقاء والأصدقاء بهذه الطريقة وبتلك البرودة؟ وكأن تلك الدماء الزكية التي تسيل هنا وهناك منذ قرابة السبعة الأشهر لا تعن لهم بشيء، وإلا ماذا يعني هذا التناقض، ففي ليبيا هنالك ثوار مسلمون يواجهون قوات القذافي وتقوم طائرات "الناتو" بمساعدهم وتسهيل مهماتهم وتصل إليهم أساطيل المساعدات الغذائية وغيرها من دول الخليج، وفي مصر تعلن الدول الغربية موقفها الصريح والواضح من الثورة الشبابية وتظل القنوات العربية الإخبارية في تغطية مستمرة للأحداث حتى سقوط النظام، لكن في اليمن على عكس ذلك، يقتل المعتصمون في الساحات على أيدي القناصة ويحرق البعض منهم داخل الساحات بصورة وحشية لم تشهدها اليمن من قبل، وتواصل القوات اليمنية بشكل شبه يومي مفارقات عجيبة لتلك المواقف المتقلبة وسياسة الكيل بمكيالين، تجعل هذا الشعب الطيب يصبح أكثر إصراراً على إنجاح ثورته والتمسك بسلميتها مستعيناً بالله سبحانه وتعالى، وبإرادة تلك الملايين اليمنية الثابتة كالجبال في ساحات الحرية والتغيير، بل وأكثر إدراكاً بأن أي شخص ينشد الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية من غيره أو يستوردها من خارج الحدود لا يستحقها إذا لم يكن هو من صنعها بنفسه.
عبدالوارث ألنجري
سياسة الكيل بمكيالين 1942