رغم الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد في مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها، يمارس الإنسان اليمني العادي حياته اليومية في هذا الشهر الفضيل، متحدياً كافة الصعاب التي تواجهه، رغم الخوف من المستقبل إذا ما استمر الوضع هكذا.
وبين أزيز الرصاص ودوي الانفجارات في العديد من المناطق مثل "أرحب ونهم وأبين وتعز" وغيرها، يمارس المواطن في بلادنا حياته اليومية بأداء الصلاة وزيارة الأصدقاء والتسوق والعمل، متطلعاً إلى مستقبل أفضل مهما وقفت الصعاب والمشاكل في وجهه, يتحمل ارتفاع أسعار المواد الغذائية واستمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة, وعدم توفر مادة الغاز المنزلي والبترول والديزل وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، كل ذلك أملاً في زوال الشدة وقدوم الفرج من عند الله سبحانه وتعالى, وهذا ليس بالغريب على هذا الشعب الطيب وصانع المنجزات والحضارات العريقة, واستطاع من أشياء بسيطة أن يبني تلك الحضارات التي لا تزال آثارها شاهدة إلى اليوم على أصالة هذا الشعب وقدرته في صنع المعجزات مثل بناء السدود ونحت الجبال وعمل المدرجات الزراعية والتجارة وغيرها.
هذا الشعب الصابر المحتسب الثائر في ظل وجه الظلم والاستبداد والاستعمار, ما كان له أن يصبح بهذه الحالة من الفقر والمعانة والجهل والمرض لولا تلك الأنظمة التي بالخير والرضاء والمستقبل الأفضل, ومنحته الفساد والظلم والجرع المتوالية وغياب العدل والمساواة ,تلك الأنظمة التي امتصت خيرات وثروات شعبنا الطيب وعوضته بالرصاص الحي والقصف المدفعي للمنازل والغازات السامة ومسيلات الدموع لأنه نفذ صبره وطفح الكيل وخرج إلى الشارع، ليقول "كفى حان وقت التغير".
هذا الشعب اليماني الأبي يمتلك من الأخلاق والعادات والتقاليد والقيم والمروءة ومختلف الصفات الحسنة والأصالة ما يجعلنا اليوم نقف أمامه وقفة احترام وتقدير ,لأنه أثبت للآخرين أنه فوق كل ما يحاك اليوم ضده وضد وطنه بهدف إذلاله وتركيعه للآخرين، نقول ذلك لمن لا يزال هذا الشعب يأمل فيهم التعاون الجاد في مواجهة ودحر ما يحاك لبلدنا الحبيب والشروع في رسم خارطة مستقبليه له، عبر الدولة المدنية الحديثة المنشودة, لكن يبدو أن هؤلاء الذين يأمل شعبنا منهم خيراً للوقوف معه في محنته لم يفهموا الشعب اليمني بعد, ولا زالوا يتعاملون معه بناء على تضليل المضللين وسلوكيات الشواذ والمرتهنين وهم بذلك ظلموا الملايين من أبناء الشعب اليمني الأصيل.
ولعل خير دليل على صدقة وأصالته ما تمر به البلاد منذ قرابة الستة الأشهر في غياب تام للدولة والأجهزة الأمنية وغيرها وعجزها وفشلها منذ زمن ومع ذلك نجد أن الحياة تسير في معظم المحافظات بشكل طبيعي بل وانخفاض معدل الجريمة بشكل عام, وهذا قد لا يحدث في أي دولة أخرى, صحيح هناك أفراداً مخربين هناك وهناك مثل القاعدة وغيرهم, لكن يظلوا مجرد أفراد لو كانت هناك دولة حقيقية صادقة في محاربة تلك العناصر وسلوكياتها المنبوذة من كافة أبناء الشعب.
يجب على أشقائنا وأصدقائنا أن لا ينسوا أن هذا الشعب الذي لا زالت الأمية تمثل فيه نسبة كبيرة قد ضرب أروع الأمثلة ممارسة العملية الديمقراطية والانتخابات والحياة السياسية ,ولولا المماحكات الحزبية وعبث وتلاعب المتلاعبين في السجل الانتخابي وتزويره، إلى جانب عدم حيادية القضاء والجيش والإعلام، لكان أحسن من حالنا اليوم ,ولا ننسى أن هذا الشعب الذي يمتلك في كل منزل أكثر من قطعة سلاح, إنما أراد التغيير فخرج إلى الشارع بصدور عارية ومسيرات وتظاهرات سلمية واعتصامات مضى عليها أكثر من ستة أشهر ولهذا كان المواطن خلال السنوات الماضية لا يثق كثيراً بمؤسسات الدولة في ظل نظام هش ,حتى أن البعض كان يتحاشى دخول المحكمة عند الخلافات الشخصية ليبحث عن صلح أو حكم قبلي قد يحصل من خلاله على جزء من حقه الشخصي ولا يفقده كاملا ًفي أزقة وقاعات المحاكم عشرات السنين حتى وإن كان الموضوع لا يستدعي لعقد جلسه واحدة، لذا نتمنى ممن نأمل فيهم خيراً، أن يمنحوا هذا الشعب فرصة واحدة ليشاهدوا إبداعاته ويتأكدوا بأنفسهم أنه شعب يستحق التقدير.
عبدالوارث ألنجري
شعب يستحق التقدير 1800