بالأمس القريب احتضنت زنجبار -عاصمة محافظة أبين- بطولة "خليجي20"، حينها رقصت قلوبنا بين ثنايا الصدور، وعمت الفرحة والبهجة كل دار وغمرت البسمة والسرور كل النفوس فقراء كانوا أم أغنياء ، الصغار والكبار من محدودي الدخل أو معدوميه، فالمحافظة الهادئة التي تسمى بالنائية والتي عانت كثيراً من الإهمال والركود قد بدأت تخطو خطوات طيبة نحو التمدن والتحضر والانتعاش بمنجزات رأيناها معجزات واستبشرنا بها خيراً، فأول الغيث قطرة ثم ينهمر المطر.
لكن ويا للأسف تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فالعاصمة ما كادت تتنفس وتنفض عن كاهلها غبار التجاهل حتى انقلبت الموازين رأساً على عقب وتبدل الحال وإذا بنا نفيق على واقع مخيف، رهيب، أشبه بالكابوس المزعج الذي يصعب التخلص منه، بل ومن المستحيل تجاهله، فزنجبار والأحياء المحيطة بها فجأة ومن دون سابق إنذار قد غدت ساحة لمواجهات طاحنة، فإذا بالمواطنين بين خيارين لا ثالث لهما، إما البقاء تحت الحصار من انقطاع للخدمات والاتصالات وفي الصمود عزة وإباء وشموخاً ودفاعاً عن الممتلكات واحتفاظ بالكرامة أو هروباً وفراراً مخزياً ومهيناً لمن هو محسوب على فئة ذكور زنجبار ومحيطها، فالهروب إن كان له ما يبرره بالنسبة للنساء والأطفال والشيوخ والمسنين، فإنه وصمة عار على جبين الشباب والرجال لن تمحى بسهولة، كونهم قد فضلوا حياة النزوح والتسول وتركوا ممتلكاتهم عرضة للنهب والسلب، طمعاً في الفتات، واكتفوا بأن أوكلوا المهمة إلى غيرهم من الشباب والشيوخ والمواطنين الذين فضلوا البقاء رغم قسوة الظروف وما يعانونه من ترهيب وترعيب جراء المواجهات، فضلاً عن كونهم عزل يأملون إيقاف نزيف الدم مع إشراقة كل يوم جديد وغروبه ويعجبون من إعلام جائر، يتجاهل معاناتهم ومأساتهم ولا يلقي بالاً لمحنتهم أكان الرسمي أو المعارض وكأن ما يحدث في زنجبار روايات وقصص من نسج الخيال.
وأعجب أيضاً من هذا التعتيم الإعلامي المخيف الذي يأبى أن يجتهد لإيجاد الحلول والمعالجات التي تحق الدماء أو التي تعلم الرأي العام أن هناك مواطنين صامدين، عزل، بسطاء، فقراء، يحلمون بعودة الأمان الذي هو حق من حقوقهم كفله لهم الدستور وجميع الأديان السماوية وحثت عليه جميع الشرائع الإسلامية وأن هناك نساء مازلن ينتظرن الفرج ،أهملهن إعلامنا المبجل، فلم يأبه لوجود من تلك الأحياء أحد.
إن الكابوس المرعب أفقدنا الأمان وحرمنا الاطمئنان، والهلع الذي تجرعناه أخرج النساء حاسرات الرؤوس وبلا عباءات أو أغطية وسط صرخات الأطفال وأنات الشيوخ وعجز المسنين الذين أجبروا على مغادرة ديارهم وأرضهم وفرض عليهم حياة التشرد، إما في مدارس أو غرف ضيقة أو استضافة مكرهة طال أمدها، فالعين بصيرة واليد قصيرة والقائمون على الإغاثة يتلذذون بمناظر الأسر النازحة ويؤجلون تسليم الدعم المستحق لأسر قد مضى على نزوحها قرابة الشهرين، مكتفين بتصريحات من يعيشون في نعيم ويهملون متطلبات النازحين وقدموا إدعاءات لم نجد لها على أرض الواقع أي مصداقية واللهم إن كان من أولاهم ثقته قد خانوه وضحكوا على ذقنه.
ولعلهم هم أنفسهم من يماطلون النازحين بحجة استكمال الكشوفات وبانتظار نزوح المديريات غير المنكوبة من أبين طمعاً في الحصول على مستحقات كمديرية زنجبار والأحياء المنكوبة، وربما بانتظار تسجيل واعتماد سكان عدن كما فعل البعض، ليتم بعد ذلك الإعلان عن أن الدعم غير كافٍ أو أن هناك لجان قادمة للتأكد من صحة البيانات وعلى المتضررين انتظار شهرين آخرين أو ثلاثة، هذا إن لم يعلن على الهواء في إحدى الفضائيات أن الدعم قد وصل إلى مستحقيه وبنسبة 100%، وقد تحتج، ولكن لن يسمع لصوتك أحد، فمصائب قوم عند قوم فوائد.