خمسة أشهر مرت على بداية الثورة الشبابية الشعبية في بلادنا وإلى جانبها أحزاب المعارضة في الداخل والخارج , خمسة أشهر والمعتصمون في الساحات يرددون صبح مساء (الشعب يريد إسقاط النظام ) أو (إرحل)، فرحل الرئيس دون إرادته وجراء فعل فاعل في جامع النهدين ورحل معه كبار مسؤولي نظامه, ولكن النظام لم يسقط بعد, والتخوف أصبح في سقوط الوطن وسط وحل الفوضى والحروب الأهلية التي سبق وأن حذر الرئيس منها.
وبعد مرور خمسة أشهر الوطن أصبح يعاني من أزمات مختلفة، لعل أبرزها انعدام المشتقات النفطية والأمن والاستقرار في مختلف محافظات الجمهورية, وبعد مرور الخمسة الأشهر، نجد أن الثورة الشبابية السلمية قد قدمت مئات الضحايا من الشهداء وآلاف الجرحى في مختلف محافظات الجمهورية، رغم أن العمل الثوري انحصر في المسيرات السلمية ومواصلة الاعتصامات في مختلف ساحات الحرية والتغيير, وبسبب تدخل قيادات أحزاب المشترك في شؤون الثوار والتسابق فيما بينهم على التصريحات لوسائل الإعلام ومناقشة المبادرات الخليجية وغيرها.
طال أمد الثورة وتأخر الحسم، بالرغم من صمود الشباب في الساحات والميادين، إلا أن التذمر بدأ يلوح في وجوه المواطنين من مناصريها ومؤيديها, ويحق لهم ذلك، خاصة بعد أن بدأ النظام وأنصاره يفتعلون الأزمات ويحاصرونهم في قوتهم اليومي.
ومن أخطاء الثوار في بلادنا هو الحديث عن تحقيق الهدف الأول من أهداف الثورة والمتمثل في (الرحيل)، رغم أن أسباب الرحيل معروفة ولا علاقة لها بالثورة والمعتصمين وأن مبررات الرحيل هي للعلاج وليس استجابة لدعوات المعتصمين أو تحت ضغط التصعيدات الثورية كالزحف وغيره.
وخلال أكثر من شهر على رحيل الرئيس إلى السعودية للعلاج والثوار في بلادنا يتلذذون بنشوة (وهمية) النصر ويسبحون في عسل النصر الوهمي، حتى قال البعض إن الثورة كاد أن ينطفئ لهيبها لولا ظهور الرئيس من جديد, وخلال تلك الفترة الزمنية شهدت البلاد أسوأ الأزمات التي مرت بها جراء انقطاع التيار الكهربائي على المدن والأرياف لأكثر من (23) ساعة في اليوم الواحد، وما رافق ذلك من انعدام الوقود من بترول وبنزين وغاز والبدء في التلاعب وظهور السوق السوداء وبمبالغ خيالية في الوقت الذي تشكو فيه المحطات من انعدام تلك المواد وازدحام السيارات حولها في طوابير تكشف سوأة النظام ونواياه الخبيثة تجاه أبناء الوطن.
وكذا عجز الثوار وجراء تلك الأزمة وآثارها السيئة على المواطن العادي وحياته اليومية، بدأت المشاكل تنشب من داخل تلك المحطات لعدة أسباب، لعل أهمها هو تواطؤ الجهات الأمنية وتورط بقايا النظام ومسؤولي شركة النظام والمجالس المحلية في المحافظات وكذا أصحاب المحطات الخاصة في افتعال تلك الأزمات والمتاجرة بها على حساب مصالح العامة من المواطنين وقوتهم اليومي.
فبقايا النظام التي تقود منذ قرابة الشهر معارك طاحنة في أرحب ونهم وتعز وغيرها وبمختلف أنواع الأسلحة غضت الطرف عن انتشار المسلحين المدنيين في مختلف مدن الجمهورية، وشركة النفط في تلاعب مستمر فيما يخص توزيع وبيع المشتقات النفطية ومنذ زمن بعيد جراء الفساد الذي ينخر مختلف مؤسسات الدولة وأصحاب المحطات الخاصة يتعاملون مع الأزمة وفق قانون الربح والخسارة (ادفع أكثر .. تأخذ أكثر) وكما يقول المثل الشعبي (الليل ستار العيوب).
وهكذا أصبح الوضع في بلادنا معادلة عكسية، موزونة الطرفين، فكلما استمر الثوار بالتلذذ في وهم الانتصار وتحقيق أول أهداف الثورة دون أي تصعيد أو مواصلة للعمل الثوري والسعي لتحقيق بقية الأهداف، كلما واصل بقايا النظام وأنصاره افتعال الأزمات وقصف منازل الآمنين في تعز وأرحب وإحراق الصحف ومصادرتها والاعتداء على الصحفيين وتهديدهم ومواصلة إطلاق الرصاص الحي داخل المدن وبطريقة عشوائية واستفزازية، يرافق ذلك ارتفاع معدل معاناة المواطن العادي لينفذ الصبر ويطفح الكيل وتبدأ اليد بالضغط على الزناد بقصد أو بدون قصد.
والبداية كانت من أمام محطات البترول , ففي محافظة إب وعلى سبيل المثال وخلال ليلة واحدة وقعت أكثر من قضية أو حادثة نتج عنها العديد من القتلى والمصابين، حيث أصيب شخصان بطلق ناري جوار محطة مارح وسط مدينة في شارع تعز جراء خلاف بينهما , كما نشبت حرب بين آل القطامي بمديرية يريم وبيت عمران في محافظة ذمار عقب قيام أشخاص من ذمار باختطاف قاطرة محملة بالمشتقات النفطية يمتلكها آل القطامي.
وفي رداع قتل خمس أشخاص على اثر شجار نشب بينهم بعد قيامهم باختطاف قاطرة أخرى محملة بالمشتقات النفطية، يمتلكها شخص من مديرية يريم يدعى الشعبي , هذه أحداث ليلة واحدة وفي محافظة واحدة فقط.
والأخطر من ذلك كله هو تفاقم الأزمات مع قدوم شهر رمضان المبارك في ظل تواطؤ الأمن وانتشار السلاح بين أوساط المواطنين، مما يثير القلق ويولد الخوف لدى عامة المواطنين من المستقبل المجهول.
وفي الوقت الذي نشاهد فيه الثوار يعلنون عن تشكيل مجلس انتقالي قبل الحسم الثوري الذي صار اليوم مطلباً وطنياً ملحاً، خاصة وأن في المشهد السياسي والأمني للبلاد متغيرات جمة، يصعب تفسيرها، ومنها استمرار المواجهات بين اللواء (25) ميكا منفرداً والمسلحين في أبين، الأمر الذي يضع الكثير من التساؤلات حول قوة المسلحين وسر صمودهم ومصادر دعمهم وكذا تخاذل وزارة الدفاع والمنطقة الجنوبية في نصرة إخوانهم.
كذلك بد المواجهات المسلحة بين شباب الثورة في محافظة الجوف وعناصر التمرد الحوثي, في الوقت الذي كان الحوثي قد أيد الثورة الشبابية ودعا لإسقاط النظام, فهذه الضبابية التي يمر بها الوطن اليوم لا شك أن وراءها أياد خفية لا يهمها سوى مصالحها على حساب مصلحة وأمن اليمن واستقراره, وهذا ما لم ينتبه الثوار له بعد.