بهذه الكلمات ابتدأت الثورات العربية، ابتداءً من ثورة سيدي بوزيد، مروراً بميدان التحرير المصري والتغيير اليمني وميادين الحرية الليبية، ولا أحد يعلم أين ستنتهي هذه النفحات الثورية، فمعظم الدول أجمعت على أنها ليست سيَّان، ولكن هذا الكلام أثبت أنه عارٍ عن الصحة خلال قليل الأيام.
سلمية.. سلمية، ربما كانتا كلمتين خفيفتين على اللسان، ولكنها ثقيلتان في ميزان الأنظمة، فخلال متابعتنا لما جرى ويجري، يتبين لنا أن الأنظمة البائدة والأنظمة التي في طريقها للزوال لم تفتأ عن ممارسة أبشع أنواع الإجرام، سعياً منها لاستفزاز الجماهير، ولكنها ولغاية الآن لم تنجح "سوى الظرف الاستثنائي الذي مرَ به ثوار ليبيا الأحرار".
دعونا نتتبع المراحل التي استخدمتها تلك الأنظمة لإيقاع الجماهير بفخ الاضطرابات والعنف: زين العابدين بن علي أو كما يحلو لي تسميته بـ"زين الهاربين" ومنذ انطلاق ثورة سيدي بوزيد استخدم أبشع الوسائل لكبح جماح الثوار، ولكن هذه الوسائل لم تزد الثوار إلا إصراراً، فما كان منهم إلا إكمال المشوار بكل سلمية، مما حدا برأس النظام للسعي مجدداً عبر استفزاز الثوار بالمزيد من العنف، فما كان من الثوار إلا أن اظهروا كل معاني الثورة السلمية، والتي أجبرت بنهاية الطريق الجيش التونسي للتدخل لحقن المزيد من الدماء الطاهرة الزكية.
وليس ببعيدة عن الثورة التونسية كانت ثورة ميدان التحرير هي الأخرى تخط أروع السطور لتاريخ ناصع البياض، فمنذ انطلاق الثورة والمحاولات البائسة التي بذلها النظام آنذاك لدفع الثوار للتراجع عن المطالب، كان الإصرار السمة البارزة لأولئك الثوار، فبدأت مرحلة الاستفزاز من هذا النظام لجر الثوار إلى مرحلة من الفوضى والعنف، باستخدامه لوسائل كثيرة، كان عنوانها الأبرز معركة الجمل، وما حصل خلالها، فكلنا على دراية تامة بما حصل كونها كانت تبث إلينا مباشرةً من أرض الحدث، ولكن ردة فعل الثوار أبهرت العالم، فما كان من النظام إلا أن سلم مقاليد الحكم بعد أن وصل مرحلة الإفلاس.
وخلال أحداث الثورة كانت أرض اليمن تستعد لانطلاق ثورتها، فكانت حناجر الشباب هناك تصدح بسلمية سلمية، رغم أن اليمن معروف عنه أنه مجتمع قبلي مسلح، أي أنه يعتبر كمخزن للسلاح، وذلك لسهولة الحصول على هذه الأسلحة ولاعتبارات قبلية، ولكن صناع هذه الثورة اختاروا الطريق الصحيح لنهج ثورتهم، وهو النهج الذي أسلفنا إليه سابقاً، استخدمه المصريون والتونسيون، فمان كان من النظام إلا أن حاول استدراج الثوار لمرحلة المواجهة المسلحة، والتي حتماً ستكون كحمام الدم، واختيار النظام لهذا الخيار كان يعبر بالضرورة أن هذا النظام لا يمت لليمن بصلة، فكل همه كان وما زال صالحه الشخصي، ولتذهب الأوطان والشعوب إلى الجحيم.
وهاهو النظام اليمني يحاول مرة تلو الأخرى أن يقوم باستفزاز الثوار سعياً لجرهم نحو حمام الدم، فما كان من الثوار إلا الرد على هذا التوحش بلسان الأطفال قبل النساء بأنها ثورة سلمية سلمية، فمهما تحاول ستبقى سلمية.
دعونا نختتم حديثنا بما حصل في ليبيا، فجميعنا يذكر تلك الكلمات الصادقة التي خرجت تنادي بالإصلاح، فما كان من نظامها البالي إلا الرد بأشد الوسائل قمعاً، بل واعتبار هؤلاء الشبان المطالبين بالإصلاحات بأنهم جيوش لدول جاءت تحارب ليبيا، فما كان من هذا النظام إلا الرد بالمدفعيات والأسلحة الثقيلة، مما اضطر الثوار هناك إلى استخدام السلاح دفاعاً عن النفس، ولدرء هذه المخاطر التي دفع بها القذافي.
آخر القول:
دعواتنا بالنصر لإخوتنا في ليبيا، والخلاص لإخوتنا في اليمن.
نقلاً عن القدس العربي