الأوضاع المعقدة التي يعيشها اليمن حالياً دفعت بالكثير من الأفراد والجماعات والقبائل والمناطق إلى التسابق في تشكيل المكونات الاجتماعية والسياسية المختلفة والتي يتم الإعلان عنها، إذ لا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن ميلاد هذا الكيان أو ذاك، ويلحظ تسابق مستمر ومتزايد في إشهار هذه التشكيلات وعلى وجه الخصوص في المدن الكبيرة مثل صنعاء وعدن وحضرموت، ففي عدن وحدها تم رصد حوالي "27" تشكيلاً تقريباً، تم استحداثها خلال فترة الثلاثة الأشهر الماضية، أبرزها تجمعات شبابية سياسية وأهلية وتخصصية، وقد لوحظ أن معظمها تكرر نفسها من حيث تقارب التسميات أو نفس الأفراد الذين ينتمون إلي أكثر من مكون أو من حيث أهدافها وبرامجها وأنشطتها، وحتى اللحظة لم نلحظ نشاطاً ملموساً لمعظم هذه التكوينات.
وعليه سوف نتناول هذه الموضة إن جاز التعبير من حيث الأسباب والأبعاد العامة لوجودها ، ويظهر أن هذا الاندفاع يحمل في طياته مؤشرات ايجابية بوصفها محاولات نحو التجمع المنظم والعمل المشترك وهي صفة اجتماعية مشروعة بمعنى الإقرار بأهمية تنظيم المجتمع، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هي تعبير منتفض عن الواقع الاجتماعي الممزق الذي يعيشه مجتمعنا اليمني.
فالأوضاع التي يمر بها اليمن يكتنفها الغموض والتداخل، الأمر الذي ينذر بمخاطر يخشاها الناس. وبالتالي نجد كل طرف من هؤلاء يحاول البحث عن مداخل آمنة يستطيع من خلالها درّ المخاطر عنه وتفتح له أفق ضمان استعادة الوضع الطبيعي، إذ يبدو أن الوضع السابق قد شوه القيم الاجتماعية التي باعدت بين مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية والمهنية والجهوية وأفرغتها من مضامينها العامة ، هذا ما كرس النزعة الفردية وأصبحت المصالح الذاتية أو الشخصية محور النشاط العام للأفراد والجماعات المختلفة .
فتجربة العمل الجماعي من جمعيات وأحزاب ومنظمات نقابية ومهنية لم تحقق المكاسب والمصالح العامة التي تواجدت من أجلها بالقدر المتأمل منها، واحتكرها قلة من الناس لتمرير مصالحهم الذاتية واستغلوا تواجدهم في المواقع القيادية لهذه التكوينات، لتحقيق مصالحهم على حساب العامة، وهذه ثقافة ربما تكون الدافع وراء بعض من يسعون حالياً لمثل هذه الكيانات الجديدة، ورغم تأكيدنا إلى أهمية بناء الكيانات الاجتماعية والسياسية والثقافية ودورها في المجتمع، إلاّ أن سرعة وتعدد هذه الكيانات التي لا تختلف في برامجها وأهداف أو تكرارها بصور ومسميات مختلفة، جاءت تعبيراً عن حالة الفراغ الاجتماعي والسياسي والأمني الذي يعيشه المجتمع، ولن تبقى منها إلا تلك التي جاءت تعبيراً عن حاجة ملحة ودراسة موضوعية، تثبت نجاحها على ارض الواقع.
وإجمالاً يمكن تفسير هذه الموضة الملفتة للانتباه في الآتي:
- الرغبة في العمل المشترك.
- مجارية ما يقوم به الآخرون (محد أحسن من حد).
- حب الذات والظهور/ الفرد/ الجماعة.
- تأمين مداخل المشاركة في أي استحقاقات قادمة.
- إيصال رسائل مختلفة إلى أطراف عدة.
- محاولة الحصول على الدعم المالي.
- درء المخاطر المحدقة بالواقع.
وعليه.. إن تأسيس هذه الكيانات حق مشروع وضرورة موضوعية، ينبغي أن تتم في الاتجاه الصحيح وأن تبنى على عمق الفكرة وتحديد الأهداف واختيار المسميات الدالة، ليس ذلك فحسب، بل والاهم هو اختيار من يقوم في التحضير لها وحسن اختيار القائمين عليها.
* ناشط أكاديمي، رئيس مركز مدار للدراسات الاجتماعية -عدن
د. فضل الربيعي
لماذا التسابق على تشكيل المكونات الاجتماعية والسياسية 1994