مهما كانت الفرضيات والاحتمالات والغموض للأحداث التي تدور رحاها في زنجبار والكود وجعار، فإن المسألة قد أخذت البعد السياسي الأكبر لتنفيذ الاتفاقات بين النظام وأميركا بشأن مكافحة الإرهاب.. وأصبحت المشقة الكبرى للنظام.. تحويل اللعبة السياسية للقاعدة من تمثيل إلى واقع تشاهده أميركا في أبين اليوم.
فالبعد السياسي اليوم أصبح ليس إقناع أميركا بوجود القاعدة، بل السماح لها بالدخول لضرب القاعدة.. خصوصًا بعد تدهور الوضع في اليمن من النهج الديمقراطي وفتحه على مصراعيه وعدم ممارسته بالشكل الصحيح من قبل النظام نفسه!.
وهو ما جعل الرئيس يتمسك بالرئاسة حتى نهاية عام 2013م كفترة قانونية، كفترة انتخابه رئيسًا.
لكن من الفرضيات التي كانت حسبان النظام قد خابت في لتحقيق المتغيرات الجديدة في الساحة اليمنية بعد ثورات تونس مصر وليبيا، فجاءت الثورة الشبابية، لطمس كل الفرضيات والقوانين ومواد الدستور.. والفترة الرئاسية القانونية!.
ولعدم ضبط الحسابات السياسية، لتتواكب مع الأحداث والمستجدات من ثورات ومطالبات دولية لمحاربة القاعدة.. أصبحت المسرحية واقعًا في أبين.. وبدلاً من رحيل الرئيس رحل المواطنون من أبين من زنجبار والكود وجعار إلى خارج ديارهم ومنازلهم إلى محافظة عدن ومناطق أخرى!.
وأصبحت عدن تكتظ بالنازحين من أبناء أبين وبأكثر من "50" ألف نازح.. والسبب الفرضيات والاحتمالات الخاطئة للنظام!.
وإذا نظرنا لتدهور الوضع ولا يهم من أجل الحفاظ على السلطة، فإن التصرفات التي سمحت للقوات العسكرية بالتحرك باتجاهات متعددة ومختلفة وتوزعت في مناطق على حساب مساحات خالية من الوطن، سمحت للقاعدة بالتمركز فيها ومنها أبين وشبوة وغيرها.
وجاءت أحداث جعار والسيطرة عليها من قبل العناصر المسلحة بتاريخ 26/3/2011م في ظل سكون السلطة والدولة، ونزول وزير الدفاع إلى أبين والالتقاء بالمشائخ والقبائل والشخصيات الاجتماعية من أبناءها بقاعة ديوان المحافظة بتاريخ 3/4/2011م الساعة الحادية عشر والربع يوم الأحد.
وكانت المصارحة والصراحة مفتوحة في هذا اللقاء ليتم فضح السلطة والدولة بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة.. وكان هذا اللقاء تبريرًا لموقف الدولة ووزارة الدفاع بأن ضرب هذه الجماعات سيكون مدمرًا للساكنين في جعار.. ولهذا طلب وزير الدفاع وضع الحلول والمخارج من قبل الشخصيات الاجتماعية والمشائخ والأعيان مع هذه الجماعات.. ولم يخرج اللقاء والتشاورات بأي نتائج أو حلول.
ليأتي المشهد الأخير من هذه الأحداث التي تشبه أفلام (الويسترن) الأميركية، لنرى تسليم العاصمة زنجبار للعناصر المسلحة يوم الجمعة 27/5/2011م ولتسليم بكل سهولة في ظل غموض وفرضيات خروج السلطة المحلية والأمنية من المحافظة للاستيلاء العناصر المسلحة على زنجبار والكود إلى دوفس، بالإضافة إلى جعار التي كانت معقل تمركز هذه الجماعات.
وأصبحت الدولة في ورطة بإخراج هذه العناصر ومحاورتهم طوال ثلاثة أسابيع متوالية راح ضحية هذه الحرب العديد من المواطنين والجنود والقادة العسكريين، وتشرد أبناء زنجبار والكود وجعار من منازلهم في عدن ومناطق أخرى.. وسط كارثة إنسانية لم يلتفت لها أحد طوال ثلاثة أسابيع من المعاناة والترويع والمجاعة والمرض..
وهو أمر غريب من دولتنا المظفرة من هذا الموقف من تم تشريدهم واللعب بكرامتهم، وانتمائهم الوطني وحبهم له.. لكن النظام مارس شتى والوسائل للتمسك بالسلطة وعلى أبناء المحافظة البطلة بإبطالها الشجعان الذين يجازون بهذه السلطة من النظام بتشريدهم ونزوحهم إلى عدن في ظل غموض وفرضيات لا زال النظام متمسك بها..
لقد أصبح أبناء هذه المحافظة التي كان يعتمد عليها النظام في كل الأزمات السياسية بمواقف رجالها للدفاع عن السيادة والنظام والوحدة.. إلا أنهم تشردوا ونزحوا في وطنهم وفي محافظة عدن التي أصبحت هي غير آمنة.
وما يعطي مدلولاً أكثر توضيحًا للمعنى المبرمج في أحاديث الرئيس بأن القاعدة ستكون في أبين هو ما جعل القوات العسكرية وبكل عتادها عاجزة عن دحر هذه العناصر المسلحة في زنجبار وجعار خلال ثلاثة أسابيع، بل وصل الحال إلى محاصرة اللواء (25 ميكا) بزنجبار، رغم وجود أكثر من لواء في منطقة دوفس وهو الأمر الذي لا يستوعبه عقل ولا منطق.
لذا فعلى القوات العسكرية التي دخلت أبين لمساندة اللواء (25 ميكا) أن تضع في الحسبان بأن العناصر المسلحة إذا أستولت على اللواء (25 ميكا ) بزنجبار، فإن الوضع سيكون أكبر من القوات العسكرية المرابطة بدوفس وسيتم فصل الموقف بالتدخل الأجنبي و الطائرات الأمريكية التي قد خربت أكثر من موقع للعناصر المسلحة في أبين.
وسيزيد البعد السياسي تعقيداً وأكبر من مفهوم النظام و المواطنين و القوات العسكرية التي ينبغي عليها السيطرة على زمام الأمور قبل تفاقمها حتى لا تصبح عاجزة كعجز النظام لحل طلاسم هذه اللعبة.
لذا ينبغي على القوات العسكرية أن تضع في الحسبان أن تراب هذه الوطن فوق كل إعتبار ليظل وطن الـ 22 من مايو وطناً للجميع.
ولإن هناك إفتراضات لإستمرار الوضع و لمكافحة الإرهاب و التأكيد على وجود القاعدة في أبين , وإستفادة النظام من الدعم المقدم لهذا الجانب , على حساب أبناء أبين بالذات.
علماً بأن الدعم قد أرتفع من (160) مليون دولار وهي الدفعة التي وصلت عام 2009م للنظام ولمحاربة الإرهاب .. و اليوم إرهاب وقاعدة من شبة جزيرة العرب.
اليوم أختلط الحابل بالنابل بعد أن سعى النظام للاستفادة من جماعات مسلحة إلى وجود أكثر من جماعة لتصبح جماعات تسمى نفسها ( مناصرة الشريعة ) وجماعات المجاهدين و العناصر المسلحة و القاعدة .. وأصبحت أربع جماعات في أبين.
وكل هذه نتيجة التصرفات الأخيرة للقوات الأمنية في أبين, بأن تترك مراكزها وأماكنها وعتادها وأسلحتها للعناصر المسلحة والجماعات الأخرى, في ظل خروج السلطة وقيادة المحافظة من زنجبار لتسيطر هذه العناصر و الجماعات على عاصمة زنجبار وضواحيها مع السبق لجعار ومؤخراً الكود حتى منطقة دوفس عنق الزجاجة للدخول إلى محافظة عدن و لحج وتم الدخول إلى لحج مؤخراً.
وهي تصرفات محيرة و لأكثر من ثلاثة أسابيع, بأن تظل القوات العسكرية مرابطة في دوفس, ليدخل لواء ويخرج آخر, في ظل وجود العناصر المسلحة مستميتة في أماكنها وسيطرتها على زنجبار والأمن المركزي والبنوك والبريد وصولاً إلى محاصرة اللواء (25 ميكا) الذي رفض التسليم للعناصر المسلحة و أصبح محاصراً اليوم وسط انتظار الآلوية والدفاع والقوات الجوية والبحرية والأمنية في الجمهورية اليمنية.
وكل هذه على حساب أبناء زنجبار وجعار و الكود ليظل النظام ويرحل أبناء هذه المناطق إلى عدن وغيرها من المناطق غير مأسوف عليهم.
محمد الشحيري
بدلاً من رحيله.. رحل المواطنون من أبين 2149