عند الإمعان في التفكير تفتح المتاهة أبوابها فإذا الغاية غائرة في أعماق الجديد من المتغيرات وإذا بأهداف الثورة باهتة الحضور لما يصبغ الواقع الثوري من ألوان التداعيات التي تولد دون مخاض.
والمراقب الحصيف للثورة اليمنية منذ أمشاج تخلقها الأولى يدرك بسهولة أن ثمة عوائق تكبح جماحها النافذ نحو الخلاص، ولعل أبرز تلك العوائق اعتمال الفعل السياسي كواجهة لصد الفعل الثوري وللأمانة فقد نجح النظام بامتياز في إقناع الكثير في الداخل والأكثر في الخارج أن ما يحدث في اليمن أزمة سياسية وليست ثورة حقيقة، وهنا صدق الغرب برسائل النظام وازدادوا إيماناً به حين قبلت المعارضة التعاطي برسائل النظام وازدادوا إيماناً به حين قبلت المعارضة التعاطي في النظام، بعناية الخارج ـ على هكذا أرضية، وبالمقابل فإن رفض الشباب الثوار لهذا التعاطي مع الثورة اليمنية إلا أن هذا الرفض لم يحل بينهم والدخول في حالة من الاسترخاء الذي بعث حالة من القلق والحيرة واليأس وأوعز للنظام كثيراً من حالات الزهو بالانتصار المؤقت على الأقل.!
لقد أشرك المشترك حين جعل للثورة السلمية شريكاً في الخلاص من نظام صالح، وأذنب الشباب حين ركنوا إلى الذين ظلموا أنفسهم والثورة بهذا الصنيع ونتيجة لما أعترى إيماننا بالثورة من مثل هذه الذنوب داخل الفعل الثوري في حالات الاسترخاء القاتلة والتي تتوازى مع العمل السياسي وتتناسب معه بشكل طردي مخيف وصرنا كالذي يتخطبه الشيطان من المس حيرة وترقباً مقيتاً، وتبريداً مقززاً، واستمعنا من يبعث على التثاقل أرضاً.
ولعل الأدهى والأمر من هذا كله أن يد الخارج امتدت إلينا من نافذة التعاطي السياسي مع الثورة اليمنية لتمسك زمام الحلول وتجعلها كلها مرهونة بشماعة صنعت خصيصاً في القصر الملكي السعودي وأصبح سعي بين الصفاء للثورة من هذه الشوائب ومروى السياسية ومرآتها محصور بتغطية العقول بتلك الشماغة حتى لا يخترقه حلم ثوري نافذ، أو فكر ثائر مصيب، وإذن آل الأمر إلى غير أيدينا وبدأ العمل الثوري غير مقنع في الخلاص والوصول إلى الأهداف المرادة وخصوصاً بعد أن اعترته تلك الحالات من الاسترخا الساذج.
أقول هذا الكلام بمرارة وغصة لأننا ركنا إلى ما أثبت الدهر زيف فاعليته ونبذنا ما برهنت على فاعليته القرون على امتداد التاريخ البشري.
نعم وذلك لأن فيزياء كل قوانين التغيير تقول: إن المفاوضات فض لقوى الثورة وانقضاض عليه، وتقول أيضاً إن الثورة لا تقوم إلا لتنتهي فوضى السياسة وفضاءاتها فإذا حضر ما رد الثورة لا تقوم إلا لتنهي فوضى السياسية وفضاءآتها فإذا حضر مارد الثورة بطل التيمم بالسياسية، هذه سنن الثورات وهذه قوانينها فإذا لم نلتزم بها كاملةً دون نقصان لقينا عدالة سكرات الموت الثوري.
إن قبولنا للخارج بكل قواه وقدراته ـ حتى وإن كانت في شكل مبادرات ـ هو تقزيم لكل قوانا وقدراتنا وقفزٌ خطير عليها وفوق ذلك كله قيودً وضعناها لأنفسنا فقيدتنا من كل خطة أو حراك ولذلك انصرفت الأنظار إلى الخارج دون العبء بالداخل أو الالتفات إليه مع أنه الأصل والمحرك والقلب الذي يكفل ويتكفل بقلب كل القوى والتوقعات.
والآن على الثورة أن تقبل عثراتها وتثأر لنفسها من كل من لوث ثوبها الصافي، وأن تشري اليمن واليمنيين من أيدي الساسة البائعين دنياً، عليها أن تثلم يد الوصاية وأن تثير مثار النقع فوق كل الروؤس المتطاولة عليها، وأن تنثر الرماد في عيون الخصوم والحاقدين بعد أن تلثم كل الأفواه الثرثارة ضد ثوارها لأنها بهذا فقط تقدم الرثاء الآجل لشهدائها والدواء الأمثل والأنجح للمثخنين في سبيلها وفوق هذا وذاك تثلج صدور قوم مؤمنين.
عبدالمعين المضرحي
الفعل الثوري وحالات الاسترخاء 2074