الأوضاع التي تمر بها البلاد اليوم أصابت كافة أبناء الوطن بالحزن العميق، لأنها بالفعل أوضاع جد مأساوية، تعد نذير شؤم في وطن مثقل بالديون والأزمات والفقر والبطالة ـ أبرز الهموم والمعاناة التي يتجرعها الملايين من أبناء الشعب ـ ناهيك عن غياب العدالة والأمن والفساد المنظم في نهب الثروات وضعف هيبة الدولة التي تعد شريكاً أساسياً في تأزيم الأوضاع دون حلحلتها، لهذا من حق الملايين اليمنية في هذه البلاد، الذي تقول إن الديمقراطية صارت من الثوابت الوطنية التي لا حياد عنها، من حقهم أن يعبروا عما يدور في مخيلاتهم، وجراء معاناتهم المستمرة، بالخروج إلى الشارع وتنظيم المسيرات والاعتصامات السلمية، فالشعب هو الحاكم وهو المحكوم في نفس الوقت، الشعب هو مصدر الثورات بل هو الثورة ذاتها وبأصوات الشعب تسقط الحكومات والأنظمة وتحرر الدول، ترتفع أحزاب وتسقط أخرى، ولا صوت يعلو فوق صوت الشعب.
ولا يمكن لنظام أن يستقر والشعب لا يريده، وليس هنالك نظام بدون شعب أو شعب بدون نظام، لذا فهي معادلة موزونة الطرفين، والنظام الناجح هو ذلك الذي يعمل جاهداً على تحقيق مطالب شعبه وبناء وطنه وتكريس حياته ووقته في خدمة هذا الشعب والوطن، لكن عندما يخرج جنود النظام وأتباعه من الوهلة الأولى بالعصى والسلاح لقمع أفراد شعبه الذي خرجوا بصوره سلمية للمطالبة بحقوقهم، فإن المعادلة تصبح مختلفة وغير متساوية الطرفين وهناك ينظر المواطن العادي، والذي هو واحد من الشعب إلى النظام الذي يحكمه بالظالم والمجرم والديكتاتوري وخذ ما شئت من المرادفات لذلك، ومن حقه أن يحكم عليك بذلك فلا أنت حققت مطالبه التي انتخبك من أجلها ووعدته بذلك في برنامجك الانتخابي، ولا أنت تعاملت معه بشيء من اللين والأخلاق والإنسانية عندما خرج إلى الشارع ليعبر عن غضبه من تصرفاتك وتنصلك عن الوعود التي التزمت بها، فما بالك ممن اعتلوا أسطح المنازل وقاموا بقنص إخوانهم العزل بطريقة وحشية منزوعة منها الإنسانية والإخوة والرحمة.
على كلٍ نقول إن الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد سواء في تعز أو أبين أو صنعاء قد أدمت لها القلوب وأصابت الملايين اليمنية بالذهول والخوف من المستقبل، لذلك علينا جميعاً أن ندرك تماماً أن العنف عمره ما حل مشكلة، بل على العكس، فالعنف دائماً يولد العنف، ولن نخرج مما نحن فيه اليوم بمنتصر ومهزوم، بل الجميع مهزومون وفي مقدمتهم الوطن، فالدماء التي تسيل هي يمنية والمدن التي دمرتها المدافع والصواريخ يمنية وكذلك المنشآت وغيرها، يجب أن نبادر جميعاً إلى السلام ولنتعلم من أولئك الشباب المعتصمين في ساحات الحرية والتغيير وهم ينظمون مسيراتهم ومظاهراتهم بصورة مدنية راقية وحضارية، ولنبتعد عن الخطاب المتشنج والتحدي والتحريض وغير ذلك، وليقدم جميعنا التضحيات تلو التضحيات من أجل أمن واستقرار هذا الوطن ولنتخذ من أبطال ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر قدوه في النضال والتضحيات الجسام لنتعلم من أبي الأحرار الشهيد الزبيري والثلاياء والعلفي والموشكي وعبدالله السلال والقاضي الإرياني ـ رحمهم الله جميعاً.
لا لقصف المنازل وترويع الآمنين والأبرياء في أحياء صنعاء وزنجبار ولا لإطلاق النار الكثيف على المعتصمين وإحراق خيامهم ومن بداخلها، لا لاعتراض المسيرات والمظاهرات بالرصاص الحي ومسيلات الدموع والغازات السامة، لا لاستهداف رجال الأمن وتخريب المنشآت الحكومية، لا للعنف والعنف المضاد، لا للفوضى والحرب الأهلية.. نعم لحقن الدماء وتلبية مطالب الشعب وتحقيق مطالب المعتصمين المشروعة والعادلة، لا للمكابرة، نعم للتضحية من أجل الوطن والمواطنين هكذا فقط تجسد الحكمة اليمانية ونفاخر بها بين الأمم، فهل نحن فاعلون؟.