أخي الوزير.. سجل مكانك في تاريخ لا يرحم، فأنت أخي على رأس الوزارة لم تكن يوماً وزير زير، سجل وقف وقفة رجل للحق صامد لا يلين، فالكل يعلم أن فيك الخير كامن، إذ لم تكن يوماً من الرجال الخانعين، والكل يدرك أن فيك من الصلاح ما يجعل كتابنا إليك يصل، فتعي ما فيه من الحق، فنحن لم نعهدك يوماً رجلاً مستكيناً، فقال الحق والوقوف مع الحق هو ديدنك، فإذا كانت الأرض تحزن حين يسترخي الرجال عليها في النهاية عاجزين، فإن الأرض تثبت تحت أقدام الرجال الواثبين، عليك أن ترفض الظلم والمجد المدنس وتتحرر من الخوف، فتجعل تاريخ من سبقك عبرة لك، وتتعظ بما حل بأسلافك، أين كانوا وأين أصبحوا.
ولا تركع اليوم، فقد تستمر تركع وتستكين إلى ما لانهاية، ولا تكن هيناً على نفسك، فإن الله لا يرضى بالهوان عليك.
كيف لك أن تقابل ربك وأن تضع عينك في عين ولدك والأجيال من بعدك وأنت من شارك في رسم اللوحة الحزينة؟ كيف لك أن تعيش في وطنك والدنيا أضحت من حولك خراباً ودماراً بسبب قنوطك وخوفك على الكرسي؟ كيف لك أن تعيش والدماء تجري من حولك؟ كيف لك أن تنام قرير العين والحزن يملأ الساحات والأرامل والأيتام ينازعونك ما أقدمت عليه في" يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"؟ كيف لا وأنت من أقسمت وما أبريت- أقسمت أن تراعى مصالح الشعب فحنثت ولم تف بحق هذا القسم.
عليك أخي الوزير أن تعلم أن التاريخ لا ينسى الفرسان حتى وإن غابوا، فإذا كان التاريخ لا ينسى فإن التاريخ لا يرحم وسينكر كل عاجز ويقذف به إلى مزبلة التاريخ، كما يقذف البحر الجيف.
الخلاص قادم.. والعهد القديم سيطل برأسه من خلف السنين منهك وخائر، فإما أن تكون مع الركب بعنفوانك وكبريائك المعهود، وإما أن تكون المنبوذ المقزم الملعون، ولك الخيار في ذلك.
عليك أن تصم أذنيك عن سماع الأوهام الزائفة وتفتح سمعك للحق والمنطق وتنظر إلى الواقع بعين مؤمنة.. وعليك أن تعلم أن لكل زمان دولة ورجالاً وأن التغيير من سنن الله في الأرض، وإلا فأين عاد وثمود وقوم صالح؟، وأين الملوك والجبابرة وأصحاب المعالي وأصحاب السعادة؟، إنها دورة الحياة التي تحكمنا بحكم الله للأرض، فكن ذا بصيرة ولا تكن ممن وصمهم الله فقال "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ".
الكل مدرك أخي العزيز أنك قادر على إحكام العقل، فتستمع لأنين ضميرك الحي وتختار طريقك الآمن، كما أنك تدرك الفرق بين رجلين، أحدهما عرف الغاية، وعرف الطريق إليها، فاطمأن واستراح، وآخر ظل يتخبط في عمائه ويمشي إلى غير غاية، فلا يعلم إلى أين المصير؟.. والله ولي التوفيق.
نبيل حسن الفقيه
إلى أين المصير؟ 2534