كان خطاب الرئيس أوباما متوقعا في كل شيء قاله، بما في ذلك أن الدولة الفلسطينية ينبغي أن تقوم في حدود عام 1967. وكانت المفاجأة قد حدثت قبل يومين من الخطاب عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الرئيس الأسد، وآخرين من معاونيه وأقاربه. وفعل الاتحاد الأوروبي الشيء نفسه هذا الأسبوع. وما بقي غير التوجه إلى مجلس الأمن كما يريد الأوروبيون، وإن كانت روسيا والصين لا تزالان معارضتين لقرار من هذا النوع.
ذكر الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة وقفت مع التغيير منذ البداية. ولمح إلى أن الانتصار على بن لادن صار أسهل بكثير مع قيام الثورات العربية. وهو يؤمل أن هذه الثورات التي أسقطت قائدين، سوف تتسبب في سقوط آخرين. وقد ذكر التغيير الذي سوف يحصل ولا شك في كل من ليبيا واليمن وسوريا، ومن دون تفرقة كبيرة باستثناء تخيير الأسد بين النقل السلمي للسلطة، أو التنحي. وقد رفع أوباما شعار الثورة السورية (سلمية، سلمية)، واعتبره قيمة جديدة في هذا المجال. وأعلن في النهاية عن إنشاء صندوق لدعم التنمية في كل من تونس ومصر. ذلك أن التنمية الاقتصادية وتأمين فرص العمل للشباب تعني نجاحا للشعوب العربية، كما تعني نجاحا لكل المنطقة التي للولايات المتحدة مصالح استراتيجية فيها.
وما كان الأمر على النحو نفسه من السلاسة والاتساق بالنسبة لفلسطين. فقد بدأ الرجل هذا القسم من خطابه، والذي أبقاه للنهاية، بذكر التزام أميركا القوي بأمن إسرائيل، والتفت إلى الفلسطينيين، محذرا من أن «الحل المنفرد» بالذهاب إلى الأمم المتحدة لن يجدي شيئا. لكنه قال إن الوضع بالنسبة للفلسطينيين لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه؛ بل لا بد من قيام الدولة المترابطة الأجزاء، والقابلة للحياة، على حدود عام 1967. إنما لا بد أن يتم ذلك من خلال التفاوض وحل الدولتين اللتين تعيشان متجاورتين في سلام. وقد أطال أيضا في الحديث عن عظمة إسرائيل وأمن إسرائيل ومحاربة أعداء إسرائيل، أمام «إيباك»، أو اللجنة اليهودية - الأميركية للشؤون العامة. واعتذر عن «إساءة فهمه» بالنسبة لحدود 67، وهو يقصد من جانب نتنياهو واليمين اليهودي. وزعم أنه ما قال على حدود عام 1967، وإنما انطلاقا من حدود عام 1967 مع تعديلات كثيرة! لكنه والحق يقال، عاد للاستشهاد على ضرورة الحل بأن الوضع الحالي ليس قابلا للاستمرار، والعالم بدأ ينفد صبره من عدم حل المشكل الفلسطيني. وقد ظهر نفاد الصبر هذا في اتجاه دول بأميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا للاعتراف بالدولة الفلسطينية. فلا بد من حل، ولا بد أن يكون تفاوضيا، ولا بد أن تصل عملية السلام إلى آفاقها الشاملة في حدوث المصالحة بين العرب وإسرائيل. ولكي يثبت نزاهته، فإنه بدأ حديثه عن النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أمام «إيباك» بالقول إنه لو كانت له أهداف انتخابية لما تحدث عن الموضوع على الإطلاق، فالموضوع شائك ولا يمكن لأحد أن ينجح في استغلاله(!).
إنه، ولكي نقيم «مبادرة» أوباما تقييما سليما أو متوازنا، يكون علينا أن نتذكر أن مبعوثه للشرق الأوسط جورج ميتشل إنما استقال قبل أسبوعين، بعد أن عمل على إعادة المفاوضات والسير في عملية السلام منذ أواخر عام 2008، أي قبل تسلم أوباما لمنصبه رسميا بنحو شهر. وقد استطاع ميتشل «جرجرة» الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة عدة مرات منذ عامين ونصف، إلى أن تحطمت محاولاته نهائيا على صخرة الاستيطان الذي أصرت عليه إسرائيل، ورفض الفلسطينيون استمرار التفاوض مع استمراره. ومنذ عام 2009 في الصيف، ثم في الخريف، قيل مرارا إن الرئيس أوباما سيخرج بمبادرة لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، والعربي - الإسرائيلي. وكان الواضح أن الذي يحول دون العودة للتفاوض على أساس القرارات الدولية إنما هم المستوطنون الذين يسيطرون في الحكومة الإسرائيلية أيام نتنياهو، بل ومنذ مقتل إسحاق رابين عام 1995. ورغم تخاذل الرباعية (المكونة من الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة، والمبعوث الدولي إليها توني بلير)، فإنها - ومنذ نحو عام - اضطرت للقول إن سياسات الاستيطان الإسرائيلية مدمرة لعملية السلام. وفي أواخر العام الماضي - كما صار معروفا - ذهب الفلسطينيون إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار ضد الاستيطان. ودعم الأوروبيون والروس والصينيون ذلك، في حين عارض الأميركيون. وعندما اقترب موعد ذهاب أبو مازن إلى مجلس الأمن ليطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أرسل أوباما رسالة تهديدية له بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وبسحب ميتشل. وبحسب مصادر متعددة فإن جورج ميتشل وصل إلى حالة يأس من الإسرائيليين منذ عام، وكان يرى أنه لا بد من مبادرة أميركية قوية تعتبر بمثابة «دعسة» على رجل إسرائيل. لكن أوباما تردد دائما أمام قوة اللوبي الإسرائيلي في إدارته، وفي وزارة الخارجية، وفي الكونغرس ومجلس الشيوخ. وقبل نحو شهرين تسرب إلى الـ«واشنطن بوست» خبر اختلاف الآراء بين جورج ميتشل ودينيس روس، بشأن المبادرة أو عدمها. ودينيس روس موظف كبير بالخارجية منذ نحو عشرين عاما. وقد كان بارزا أيام كلينتون، ولعب أدوارا مهمة، ويقال إنه تكنوقراطي دقيق، وصهيوني معتدل(!). وقد أعاده أوباما إلى ملف المفاوضات بسبب خبرته الكبيرة. ويقال إنه كان دائما على خلاف مع السيناتور جورج ميتشل مبعوث الرئيس الخاص. وإذا كان ذلك صحيحا، وأن الخلاف الأخير كان بشأن المبادرة التي تغير من سياسات عدم الضغط على إسرائيل بل إغراؤها وبرطلتها فحسب، فإن دينيس روس يكون قد فاز، لأن كلام أوباما لا يرقى بالفعل إلى منزلة المبادرة، وإلا لكانت لديه خطة.
ويعتقد توماس فريدمان أن السياسيين الإسرائيليين والأميركيين على حد سواء فاسدون وفاشلون فيما يتعلق بحل النزاع، وهذا داء لا دواء له. أما ساتلوف فيعتقد أن الأمر ليس بهذا السوء، وإنما هناك اقتناع لدى أوباما أن الولايات المتحدة بمفردها لا تستطيع أن تتحمل عبء الحل، ولذلك فهي تريد إشراك المجتمع الدولي، وأوباما ذاهب ربما إلى «مدريد 2»، بينما كان ميتشل يريد حلا على طريقة كامب ديفيد أو أوسلو. بيد أن دليل المراوحة (إن لم يكن عدم الجدية بسبب اقتراب موعد الانتخابات، وضرورات النجاح الاقتصادي) هو - كما سبق القول - إنه ما عرض خطة دولية أو أميركية، وما عين أحدا للمتابعة بعد ميتشل. وهكذا، فالذي يعمله في خطاباته هو محاولة إقناع إسرائيل بفوائد السلام بالنسبة لها، فإذا لم تقتنع حكومتها بذلك؛ فإن الأمر ينتهي عند هذا الحد، ولا يزعل أحد من أحد.
إن الذي أعتقده أن الرئيس أوباما ما ذكر فلسطين في خطابه عن الثورات العربية، إلا لإرضاء أولئك الشباب الثوار، ومعذرة النفس والبلاد. وهكذا فإنه يحذر الإسرائيليين والأميركيين المتحفظين، أن عليهم أن ينتهزوا الفرصة من أجل السلام، وإلا لن تفيدهم في المستقبل لا قوة العسكر، ولا ضمان الأمن من جانب الولايات المتحدة. هل يعتبر اليمين هذه المناسبة فرصة؟ وهل أوباما جاد (وعنده وقت)، للقيام بمبادرة لحل النزاع، الذي ما تمكن سابقوه من حله؟ هناك أدلة على الجدية، لكن لا دليل على الجهوزية والشجاعة، والمغامرة بإزعاج اليمين الإسرائيلي، لا قبل الانتخابات ولا بعدها!
رضوان السيد
أميركا والديمقراطية العربية وفلسطين 2414