مع السقوط المروع لنظام "زين العابدين" في تونس الشقيقة، خرج المئات والآلاف من الشباب اليمني إلى الساحات والشوارع، معلنين تضامنهم مع الشعب التونسي، وواجهتهم قوات الأمن من أول لحظة بالقمع والاعتداء.
وطبعاً كان قد سبق هذا خلاف حاد بين شركاء العملية السياسية في البلاد "الحاكم والمشترك"، وصل الأمر إلى نسف المؤتمر لاتفاق فبراير والعمل متفرداً في الإعداد لانتخابات برلمانية في الـ27 من أبريل الماضي، بحجة وصول البلاد إلى الفراغ الدستوري، والسير في نفس الاتجاه نحو تعديلات دستورية سميت بتحضيرات "قلع العداد"، شهدت حينها العاصمة صنعاء ومختلف محافظات الجمهورية مظاهرات واعتصامات شبه يومية وتعددت المطالب منها التوظيف واستقلال القضاء وإطلاق المعتقلين وغيرها.
لتتسارع الأحداث وتبدأ الاعتصامات المفتوحة للشباب في العاصمة ومن ثم بالمحافظات ويواجه النظام المعتصمين بالقمع عبر بلاطجته في ميدان التحرير بصنعاء وإب وتعز وعدن وغيرها.
ليختار شباب الثورة من شارع الجامعة مكاناَ دائماً لاعتصامهم المفتوح، وكانوا موفقين في اختيار ذلك المكان لعدة أسباب منها:
1. إن شارع الجامعة هو ملتقى النخبة من شباب ومثقفين وحقوقيين.
2. شارع الجامعة هو شارع شبابي 100%، كون الثورة هي ثورة شباب.
3. وجود المجسم "الإيمان يمان والحكمة يمانية" في نفس الشارع.
وبالفعل تحول مكان المجسم إلى منصة لساحة التغيير المطالبة بإسقاط النظام، لتتجسد بالفعل الحكمة اليمانية الرافضة لكافة أشكال الظلم والطغيان والفساد والتواقة لدولة يمنية حديثة تلبي رغبات وآمال وتطلعات كافة أبناء الشعب.
حينها استمرت الاعتصامات المفتوحة في أكثر من "17" محافظة، وفي الجانب الآخر ظل النظام يراوغ تارة، ويتجاهل تلك الاعتصامات تارة أخرى، ويتخذ العديد من القرارات الشفهية ولم يلمس المعتصمون أي تنفيذ لها، ليأتي في الأخير ويحشد قرابة "40" ألف مواطن إلى ملعب الثورة بصنعاء، فيفاجأ أولئك المستمعين وسط حر الشمس بمبادرة منتهية الصلاحية وكان على قناعة مسبقة أن المعتصمين سيرفضونها لأنها جاءت متأخرة - كما قالت أحزاب المعارضة.
وبعد تلك المبادرة قرر النظام مواصلة العنف والقمع في مواجهة أصحاب الخيام والمسيرات السلمية والبداية من العاصمة صنعاء في محاولة بائسة لإخلاء شارع الجامعة من المعتصمين، التجربة الأولى كانت عبر قوات الأمن المركزي وأثناء صلاة الفجر، ولكن أولئك الشباب المعتصمون صدوها بصدورهم العارية، لتأتي المغامرة الثانية عقب صلاة جمعة "الكرامة" من خلال قناصة اعتلوا أسطح المنازل لارتكاب جريمة تشبه في بشاعتها ذلك النظام الذي ظهر عصر نفس اليوم قائلاً: "إذا لديهم نية في مواصلة الاعتصام، فعليهم اختيار مكان آخر غير ساحة الجامعة".
وفي تلك المجزرة سقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى، وبعدها اكتظت ساحات وميادين الحرية بمئات الآلاف، بل الملايين من أبناء الشعب المطالبين بإسقاط النظام ومحاكمة الجناة، كما أعلنت قيادات في الحكومة والدولة انضمامها إلى ثورة الشباب ودعمها ومساندتها لتلك الثورة، استقالات جماعية من الحزب الحاكم والحكومة وسفراء ومثقفين ونقابات ومنظمات مدنية وانقسام في الجيش.
وحينها بدأ النظام في مرحلة السقوط، ليأتي إعلان حالة الطوارئ من خلال الاستعانة بدستور عام 1962م، وبعدها إقالة الحكومة لتتحول إلى حكومة تصريف أعمال.
في نفس الوقت استمرت مجازر النظام بحق المعتصمين، فتارة من خلال بلاطجته الذين يقومون بتوزيع السلاح لهم لذات الغرض، وتارة عبر أفراد الأمن والحرس الجمهوري، انتهى شهر أبريل موعد إجراء الانتخابات حسب اتفاق فبراير، ليفقد البرلمان شرعيته الممنوحة من الشعب وكذلك هو الحال بالنسبة للنظام الذي لا يزال يتحدث عن الشرعية الدستورية.
وعندما يأتي الأشقاء في دول الخليج بمبادرة في محاولة منهم لتحقيق مطالب الشعب بصورة سلمية ووقف نزيف الدم اليمني وإخراج النظام بصورة مشرفة تحفظ له ماء الوجه وعدم المحاكمة، يرفض التوقيع عليها باعتباره رأس النظام ويطلب التوقيع باسم الحزب الحاكم، ليصنف الوضع على أنها أزمة بين حاكم ومعارضيه ويتناسى مئات الشهداء الذين سقطوا في تلك الساحات والمسيرات السلمية، وهو في ذلك الإجراء يكتب نهاية حكم دام أكثر من "30" عاماً بالطريقة التي يراها مناسبة، ويتناسى أن تلك الساحات المكتظة بملايين المواطنين العزل قد اسقطوا نظامه إلى غير رجعة.
وفي نفس الوقت تواصل حكومته المقالة أجراءتها المخالفة وبرلمانه الغير شرعي قوانينه الفاشلة والقمعية، ويواصل الشباب مسيراتهم واعتصاماتهم تحت أزيز الرصاص بصدورهم العارية، عازمين مواصلة السير في إنجاح ثورتهم بإلقاء القبض على رأس النظام ورموزه وإحالتهم للمحاكمة، بعد أن فقد شرعيته واستخدم كافة الممارسات التعسفية الأخرى مثل أزمات الغاز والديزل والتهديد بالقاعدة والحوثية والانفصال والحرب الأهلية وغيرها.
ولم يعد أمامه سوى تحريض الجيش وأنصاره للقتل، وكما استمر في استخدام هذه الورقة، كلما اقتربت ساعة النصر للثورة ومحاكمة رموز هذا النظام.
،،،،،،
عبدالوارث ألنجري
كيف أسقط الشعب النظام؟ 2066