صغيرتي الغالية إسراء.. إليكِ رسالتي هذه وضعيها بداخلك على مر الحياة، افهميها حتى تفهمين معها حركة الحياة، كنت أخال الدنيا بأسرها تقف لهول ما يجري من حولنا، الدعوات إلى الله هي السلاح الأعظم إلى جانب السعي المثمر والتقوى الفعالة في القلب التي ترى الله في كل لحظة وحين.
إسراء..
هذا اليوم يجسد الحداد من أوسع الأبواب، ذكرى النكبة الثالثة والستين في يوم الخامس عشر من مايو لعام 1948م، ففي هذا تم إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، إعلانها كان كالصاعقة على الشعب الفلسطيني الطيب، أغتصب على غفلة.. ستمائة ألف يهودي زغرد للخبر وصفق للنبأ، وراح يجري بفرحة لا توصف وبسطو وبنوا بيوتاً وقصوراً وفنادق لهم فوق أرض ليست لهم، كانت ملكاً لمليون وربع مليون عربي لأكثر من أربعة عشر قرناً.
أعطي اليهود نسبة "56%" من أراضي العرب وأعطي للعرب "43%" وزاد هذا في كبرياء اليهود واحتلالهم جميع المناطق، تشرد بعدها "750.000" ألف عربي غادر منهم "40000" عربي وتم في الفصل الأخير من المؤامرة طرد شعب فلسطين من أرضه وإقامة دولة وقعت عليها بريطانيا تحت "وعد بلفور".
هذه الدولة توسعت داخلها العصابات الصهيونية لتحقيق حلم كاذب لا أساس ولا سند له من تاريخ أو منطق وبذلك نجح الاستعمار في حرمان شعب وإعادة طموحه وتنميته وازدهاره وكتب بالخط العريض حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل وعلى العالم كله الامتثال للأمر الواقع.
وحكماء صهيون –يا إسراء- يقومون على أقولهم تحت قاعدة اضربوهم، اسرقوا بيوتهم، قيدوا أرجلهم، أدخلوهم السجن، أما الطفلات فوق الثالثة من العمر وحتى السابعة فاطرحوهن في الأسر ليكن أسيرات داخل الزنازين.
لقد وجد الأسر، ووجدت السجون ووجدت محاكمات العرب بوجود الاحتلال الآثم، إنهم يسرقون التاريخ والتراث ويقولون القدس عاصمتنا، اعترفوا بنا، تجد الأب في زنزانة مجاورة لزنزانة ابنه وفي الزنزانة الثالثة ابنته، آلاف من رموز الشباب المثقف الطموح في سجون أخرى.
وتخيم بعد ذلك الفاجعة على الجميع على إثر وضع أول حجر أساس لمؤامرة كبرى في افتتاح أكبر كنيس للخراب في باحات الأقصى الشريف في حي الأشرافية، مستخدمين الرصاص والقنابل ضد من يتصدى لأعمالهم الجائرة.
ولا زالت الصغيرات مثلك يا إسراء هناك أسيرات، عددهن "300" طفلة أسيرة، تتراوح أعمارهن بين الخامسة والرابعة والسادسة أعوام، يحدقن في أجواء السجن المخيفة ثم ينتزعهن الخوف، فيصرخن بابا.. ماما، فيأتي السجان إليهن ليصرخ في وجوههن ويضربهن.
إسراء..
إنهن بريئات لا يفقهن شيئاً مما هن عليه، لا يزلن داخل زنزانات السجون في صقيع الأرض القذرة دون غذاء وغطاء، لا دفء ولا حنان، فقط يا إسراء كن قبل أن يدخلن السجن يلعبن ويضحكن بجانب بيوتهن مع رفيقاتهن يلتمسن المرح والفرح والحياة وفجأة حدث يا إسراء انتزاعهن إلى السجون.
نظرة منك يا إسراء كفيلة أن تفهمي أنهن في اللحظة الواحدة تموت واحدة من رفيقاتك الأسيرات مائة مرة.
أريد ماما.. أريد بابا.. نريد حيّنا وأهلنا، ويأتي من جراء الصراخ سجان السجن، ويمنع عنهن الزيارات ولا يزلن في آهات وحنين.
ادعي الله لهن يا إسراء وسأدعو معك أن يطلق الله سراحهن هن إخوتك في الإسلام والإيمان والإحسان والرابط هي الأركان.
تعلمنا في علم النفس أن مهارات الإبداع والذكاء في الطفولة تنمو فيهن قبل نشوئهن، وتتفتح كأزهار الربيع في ظل الأجواء الآمنة المشعبة بالدفء والاطمئنان والوئام، ويزداد الأساس الطفولي قوة واعتداداً بوجود نجاح المرحلة الأولى والتي يرتكز عليها الحنان، وتزداد بين الأطفال روح المباراة والتنافس والتشجيع في البيت والمدرسة والحي، وليس في السجن والزنزانة..
قاتلكم الله يا أعداء الله والإنسانية.
لا يوجد بعد الأسيرات أي حديث، غير أن الأمهات الفلسطينيات العظيمات يقفن ولهن الإجلال والإكبار منا، في قلوبهن أطياف الحنين والخوف على فلذاتهن لا ينمن في كل لحظة مع آهة تطير قلوبهن إلى صغارهن وتعود لتكرر الطيران كل اليوم إليهن.
لا أستطع أن أتصور وأنا أم أن أخوض هذه المعادلة القاسية في غياهب السجون، أن تكون ابنتي الصغيرة بين أيادي مجرمة عابثة.
اللهم أنت رجائي عالم بالحال، كافي عن السؤال.
عزيزتي إسراء..
الاحتلال دمر النفوس والشجر والحجر والبشر، لم أخبرك ستتألمين بعد قليل: هناك محاكم في انتظار الصغيرات، نعم محاكم عسكرية قضائية وعليهن المثول أمام القضاء اليهودي، صغيرات لا يدركن فحوى هذا الموضوع –موضوع محاكمتهن- لا يفهمن شيئاً في هذا الموضوع، لا يفهمن معنى المحاكمة والمثول أمام القضاء.. قلبي عليكن، روحي معكن.
إسراء الصغيرة:
إنهم يعلمون أبناءهم منذ نعومة أظافرهم كيف يكونون مع العرب في التعامل والسلوك، إذ تخصص لهم حصصاً مدرسية من ضمن تعاليم كتبوها هم كما يحلو لهم من وحي التلمود المزعوم دينياً، بأن العربي إنسان في شكل شخص لا يستحق آدميته ولا شرعيته في الحياة، ينبغي قتله وعدم احترامه، وإذا وقع في مأزق يجب دفعه إلى هذا المأزق، لينال حب الله، فهم حسب زعمهم شعب الله المختار وما دونهم دون ذلك.
إن شارون زعيم هذه المدرسة تخرج منها بكفاءة ولهذا مارس الجريمة من أوسع أبوابها على الشعب الفلسطيني من قتل جماعي لهم وسحق عظام الأطفال من أجل أن تستلذ ساديته ضد العرب ويطبق ما درسه من تعاليم.
لم أسمع بقصة كهذه، قصة موت شارون قاتل العرب ومغتصب العرض والأرض، منذ عام 2006م، فهو لا حي ولا ميت، في موت سريري طويل غادر المستشفى إلى مزرعته في بيته التي أصبح فيها يتعفن وتسحق عظامه فيما بينها ولازال هو إلى الآن على هذا الحال، يقولون إنها تأتي عادلة من عند الله.. ونحن نقول سبحان الله العظيم.
إسراء..
إنها تأتي كالحسام القاطع إن لم تكن بالثمان، فهي بالزمان.. وإن لم تكن بالزمان فهي بالثمان.
فتحية سروري
رسالة إلى إسراء 2494