;
علي الصراف
علي الصراف

نحن والطغاة: هل يحتاج الظلم إلى مؤامرة لكي ينفجر؟ 1903

2011-05-17 03:46:01


القول إن حركة الانتفاضة العربية عمل من أعمال المؤامرة، قد يكون مفهوما عندما يبحث إعلام الطغاة عن تفسير للفشل، إلا أن هذا القول يثير الإلتباس عندما يصدر ممن يفترض أنهم مثقفون أحرار. وهؤلاء أناس كان يفترض بالحرية ذاتها أن تكون دليلهم للوقوف مع شعبهم، لا مع الفشل، ولا مع الطغاة.
لنعيد ترتيب الأشياء كما كانت في واقعها، قبل اندلاع انتفاضات الحرية، لنرى أن كانت نظرية المؤامرة سوف تصمد أمام التحدي.
وسأبدأ مما لا جدال فيه، ومما بقينا نكتب فيه ونردده على امتداد عقود خمسة على الأقل.
لقد كان هناك استبداد. وسلطاتنا حرمت الناس حقهم في الكلام. والنقد غالبا من كان يؤدي الى الفصل من الوظيفة او السجن او حتى القتل.
ولقد كان هناك فشل اقتصادي واضح. وزاده الفساد فضيحةً، حتى تحولت السلطة الى مرتع لإثراء المقربين وحدهم. وظل الحرمان يسحق الغالبية العظمى من الناس.
وكان الغرب سعيدا بما يصنع الطغيان في بلداننا. واسرائيل لم تكن إلا أسعد حالا بوجود حكومات قهر وفشل. فمن ناحية، كانت الدكتاتوريات أسهل على الإبتزاز كلما أراد الغرب أن يبيع على حكوماتنا أسلحة أو يفرض عليهم مشاريع أو سياسات. ومن ناحية أخرى، كانت إسرائيل تقدم نفسها على إنها "الديمقرطية الوحيدة" في المنطقة. وكان يناسبها تماما، لأغراض استراتيجية ومعنوية، أن تكون محاطة بدكتاتوريات.
ومشروع الإستقلال الذي جلب الى السلطة أحزاب تطرف عقائدي وأنظمة شمولية باء بالفشل. وكان ذلك يعني فشلا على كل صعيد تقريبا، حتى انتهينا الى فقر وبطالة وتفشي الأمية، وكأننا حرقنا قرنا من الزمان دون جدوى منذ أن كان مشروع النهضة القومية يتطلع الى تحريرنا من الجهل والأمية والمرض.
هذه الظروف ظلت تتراكم، وظل القهر والحرمان يتراكم حتى حانت ساعة الإنفجار.
لا أدري إن كان محمد البوعزيزي يملك ما يجعله قادرا على الذهاب الى الفيسبوك، أو ما إذا كان يملك جهاز كومبيوتر لإقامة أية صلات خارج السوق الذي يبيع به بضاعته. ولكني أدري انه كان فقيرا، وكان الظلم قد بلغ به الزبى، فلما تعرض الى تلك الصفعة الظالمة، آثر أن يحرق نفسه للإحتجاج.
وكانت تلك هي لحظة التغيير التي تحولت الى عاصفة في كل البلاد. فالكل كان يعرف ان كأس الظلم والفقر والقهر قد بلغ زباه. فثارت تونس كلها، ليس لأن هناك أحدا ما يحركها من الخارج، بل لأن هناك قهرا وظلما وطغيانا يموج ويُقلّب الآلام في الداخل.
فإذا كانت هناك مؤامرة، فانها مؤامرة الظلم نفسه. وهذه ما كانت لتحتاج أن تمتد اليها يد من الخارج. فأيدي الخارج لا تمتد إلا لتساعد الطغاة. وهذا ما كانت تفعله أيدي الخارج باستمرار: أن تساعد الظالمين على المظلومين وليس العكس.
وعندما اندلعت الإنتفاضة في مصر، فان أحدا لم يكن ليتوقع أن تسفر عن هزيمة للنظام. والنظام كان حليفا معلنا للولايات المتحدة وكان على سلام وطيد مع إسرائيل وله فيها ومعها علاقات. فاذا كان ثمة مؤامرة، فقد كان الأجدر بها أن تتآمر على المطالبين بالحريات، لا العكس.
ومع ذلك فالولايات المتحدة، وكتائبها الإعلامية لم تجد نفسها تقف مع التغيير، إلا عندما اتضح أنه لا مناص، وإلا عندما أصبح التغيير حتميا، وإلا عندما أثبت الناس عزيمتهم وصلابة إرادتهم، فأسقط في يد الجميع. وبعد أن كانت المصالح لا تُخدم إلا بالدكتاتوريات، ساعتها اصبح التخلي عن الدكتاتوريات شرطا من شروط الحفاظ على تلك المصالح بالذات.
"مات الملك، عاش الملك". "مات الدكتاتور، عاشت الحرية". هذا هو ما أصبح العنوان الجديد للاستراتيجية الغربية تجاه حركة التغيير العربية. لقد حاولوا امتصاص العار، ونقلوا السلاح من كتف الى كتف، وذلك عندما أصبح التحرر أمرا لا مفر منه.
انتصر التغيير في مصر، وانقلبت الاستراتيجيات. وصار مما لا مفر منه قبول التغيير في كل مكان يقدر الناس عليه.
وعندما رفع العقيد القذافي السلاح ضد شعبه، فقد كان لا بد للراكبين على الموجة أن يقبلوا تبعاتها كلها، وأن يتقدموا الصفوف للقول انهم مع التغيير ومع الحريات. الانتفاضة في ليبيا كانت وما تزال انتفاضة شعب ضد طاغية. وظلت كذلك حتى عندما احتاجت الى السلاح. وهي لم تلتحق بالغرب.
الغرب هو الذي التحق بها للحفاظ على مصالحه. وفي لحظة المنعطف، فقد كان لا بد للاحرار أن يقبلوا بأي إعتراف، حتى وهم يعرفون إن داعميهم الجدد، هم أنفسهم داعمو الطغاة.
فأين المؤامرة؟ وهل يحتاج الظلم الى مؤامرة لكي ينفجر؟
وإذا كانت الثورات ضد الظلم لا تندلع إلا بمؤامرة، فهل من قيمة لأية ثورات؟
ثم ألا يبدو الاتهام بوجود مؤامرة وكأنه إهانة للناس؟ إهانة لتطلعاتهم؟ وإهانة لشهدائهم؟ وإهانة لكل العذابات التي يعانونها في ظل الطغيان؟
ألا يبدو حديث المؤامرة، وكأنه دعم للفساد، ودعم للدكتاتوريات، وسلاح لمساعدتها على البقاء؟
أقول لكل الذين يتهمون ملايين الناس في جرحهم، بأنه مؤامرة، إن هذا الجرح ما كان بحاجة الى أحد لكي ينزف. لأن السكين هو سكين الفساد والإستبداد، وأنتم أعلم بما كان يعمل.
وأقول لكل الذين يحاولون أن يخفوا نور الشمس بالغربال، اننا إذا انتفضنا، فليس لان هناك كاتبا كتب مقالا، وليس لان هناك إنترنت، وليس لأن هناك "فيس بوك"، بل لأن هناك ظلم، ولأن هناك فساد، ولأن هناك إرهابا رسميا ضد الحقوق وضد الحريات.
فمن كان منكم يرى المؤامرة ولا يرى الظلم، فيا ليته أعمى. ويا ليت قلبه من حجر. ويا ليته ما نطق بالظلم ضد أناس يطلبون الحرية.
الانترنت والفيس بوك موجودان في كل مكان، ومتاحان لكل شعوب الأرض. وكذلك الجمعيات الغربية التي تتحرك بإسم الدفاع عن حقوق الإنسان. هي الأخرى تتحرك في كل مكان.
ولكن ربيع الحرية هذا ربيعنا نحن. بذوره زرعها الطغاة. وشقائق نعمانه سُقيت من دماء الملايين ممن ظلوا يدفعون من جلودهم ثمن الفساد والإستبداد.
وهو ربيعنا الخاص. وأكرم للأحرار أن يتبنوه، ويطالبوا بحقهم فيه، لا أن يتركوه نهبا للإدعاءات الخارجية، وللأدوار الغامضة في غرف الظلام.
انها ثورة في العراء. ويخرج لها الناس بصدورهم لا بأجهزة الكومبيوتر. ولا يليق بالأحرار أن يلوثوا دماء الناس، أو يهينوا تضحياتهم، ولا يليق بهم أن ينسبوا الفضل في فجر الحرية هذا لأحد إلا للأحرار الذين يواجهون الحديد، وإلا للذين تكتوي جلودهم بالنار.
انها ثورتنا. وهي ربيع واحد، وفجر واحد. ومعترك حرية واحد. ولا يشوهها إلا الذين يقفون مع الطغيان، وإلا الإنتقائيون الذين يساندون دكتاتوريات ويعارضون دكتاتوريات.
الانتقائيون الذين يبتهجون لسقوط طاغية ويزعلون على آخر. ليسوا في واقع الأمر أحرارا. إنهم تجار. يبيعون القضايا. ويلحقون بشعبهم العار.
فمن كان منهم يرى المؤامرة ولا يرى الظلم، فكأنه ما رأى، وكأن ضميره، من فرط الطغيان، مات.
وأسال الله لضمائركم الحياة. ولثورتكم النجاة. ولفجر الحرية نقاء التقاة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد