في نسيان أو تناس من الرئيس/ علي عبدالله صالح لسنة التداول الربانية المذكورة في قوله تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، وفي مخالفة صريحة وانقلاب على التداول السلمي للسلطة بالحيلولة دون انتخابات حرة ونزيهة، في نسيان أو تناس لذلك كله، رفض الرئيس الحوار الذي كان يهدف إلى توفير بيئة تنافسية متكافئة، وسعى إلى التمديد إن لم يكن التوريث، ومن أجل ذلك تضمنت مبررات التمديد للرئيس إساءة لليمن واليمنيين ووصمهم بالطيش والتهور حين قفزوا على واقعهم وعالمهم العربي، فحددوا للرئيس مدة زمنية قابلة للنفاذ الذي لا يقبله الرئيس ولا يليق به عند من قلت بصيرته أو ضعفت همته، أو من يرى في الرئيس مضلة وسلماً لفساده.
إرحل:
يا لهول المفاجئة ويا لصعوبة الصدمة النازلة على مسامع الرئيس والحاشية، فإذا كان الفرق شاسع من "أف" إلى "بم" فالفرق أيضاً شاسع من "ما لنا إلا علي" إلى "إرحل" خصوصاً إذا علمنا قصر المدة الزمنية بين الكلمتين التي لا تزيد عن خمس سنوات منذ 2006م.
إرحل صح 100%:
قال تعالى: ((وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم)) [الشعراء ـ 181]. فإذا كان لا يجوز لنا أن نبخس الرئيس حقه فنقول إنه لم يفعل شيئاً، كذلك لا يجوز المبالغة التي نسمعها من البعض والتي تلحق الرئيس بخالد بن الوليد، وعلي بن أبي طالب رب أغفر لي ولهما، لذا يلزمنا وزن الرئيس وتقييمه من خلال موقفه من الثوابت الوطنية وتعامله معها، وكذا المقاييس العالمية التي وضعت لغرض قياس الدولة الناجحة ومستوى النجاح.
أولا: تهاون وفرط في ثبات "حرمة الدماء" فدماء القبائل تساهل فيها:
قبيلي يقتل، قبيلي يموت، علي يتفرج، هذا هو حال الدولة وموقفها من الحروب التي يتكتوي بنيرانها وعواقبها القبائل ومن ثم وهدم منازل أو فرار من القبيلة وفراق العشيرة، فهل سمعتم أو علمتهم أن الدولة دخلت في حرب من أجل أمن وإنصاف المواطن القبيلي، أو من أجل فض حرب نشبت بين قبيلتين وإن كلفها ذلك بعض التضحيات، كما فعلت في صعدة، أنا لم أسمع عن ذلك.
وإليكم مشكلة تأثر بعمر رئاسة الرئيس لم يقم بحلها مع قرب أصحابها منه وهي تلك المشكلة الناجمة من قتل الشيخ/ حسين علي القاضي من خولان قبل 22 عاماً، وما ترتب عليها من قتل الشيخ الدماني السالمي، وما صاحب ذلك من حرب سقط فيها ستة قتلى ولا حل، فأي تساهل أكبر من هذا.
ودماء تواطأ عليها:
وهي دماء المعتصمين والمتظاهرين الذين استندوا إلى حرمة الدماء ومشروعية الاعتصام وحق الحماية من الدولة، غير أن القتل الذي نزل بهم وأوضحه جرماً وجريمة "جمعة الكرامة" تؤكد أن الرئيس إما خدوفة "أخبل" ـ لا يعلم ما يجري في دولته ولا ينزعج ذلك ـ أو متواطئ، أو أنه صاحب الفكرة "القتلة"، ولأن الفعل جسيم والجريمة عظمى، يتوارى لمثلها الرؤساء من تلقاء أنفسهم، فأي الحالات كانت فإنها توجب رحيله فلماذا المكابرة.
ثانياً: خالف ثابت الجمهورية:
فاستبدل الإطار السلالي "ميدان ديولة عند الملكية" ثلاثة أطر هي "العائلة، والمصاهرة" للمناصب العليا والأهم في الدولة "قائد، قائد الأمن المركزي،....." والإطار "القبلي" للمناصب الأقل والإطار الحزبي "المؤتمر" لما سوى ذلك، فما الفرق بينك وبين من ينادي بخرق ثابت الوحدة يا رئيس الجمهورية، في نظري لا فرق سوى أنك صاحب مال ومناصب، يجاملك لأجله خطابها الذين يقبلونها من أي باب وبأي ثمن.
وثالثا: خالف ثابت الديمقراطية:
نظرياً: حيث يتناقض فكرياً مع الديمقراطية إذ نجده يتبنى الرأي الإسلامي التقليدي الذي يحرم المظاهرات والانتخابات ويرى ذلك منازعة لولي الأمر، كما استعان لهذا الغرض بأبي الحسن المآربي في انتخابات الرئاسة عام 2006م، واليوم يحشد أصحاب هذا الرأي من أجل تحريم الأحزاب، والمظاهرات، والانتخابات، رغم أنف الديمقراطية، فأي لوثة فكرية تخدم التطرف، هي أخطر من هذه اللوثة، وإني لتأخذني الدهشة والحيرة من الفريقين، فريق الرئيس والمؤتمر، كيف يستعينون بمن يرى أن الديمقراطية كفر، والفريق الآخر الذين يقولون بكفر الديمقراطية مع وجوب طاعة من يمارسها، ولله في خلقه شؤون.
وأما عملياً: فإنه باستحواذه على الدولة وتسخيرها وما تمتلك من وظيفة ومال وإعلام قد حال دون ممارسة الديمقرطية الصادقة، لذلك أنا أتحدى الرئيس أن يخوض انتخابات رئاسية أو برلمانية وهو خارج السلطة وبعيد عن البنك المركزي ولينظر ماذا يكون.
تلكم أهم ثلاثة ثوابت لم ينجح إزاءها الرئيس، وهو من معايير نجاح الدول أبعد، حيث لم يقم بالفصل بين السلطات فهو الدولة والدولة هو، والقانون في عهده غير سائد بل "يتيم" والسيادة للوجاهة والنفوذ والولاء للرئيس، والفقر في ظلة قد زاد فبلغ 43%، والعملة في عهده قد تهاوت، ولم تشهد الزراعة أو الصناعة أي نهضة تذكر، كما خسر الحروب التي خاضها، وعلت الأصوات التي تنادي بالانفصال، فما بقي له إلا الرحيل فلماذا المكابرة.
أين المشاريع وأين الوحدة:
فأما المشاريع فلو كانت وحدها تكفي وهي الدليل على نجاح الدولة، لكانت مشاريع الإمام أحمد حميد الدين في ذلك الوقت ـ كطريق صنعاء الحديدة، وكذا مصنع الغزل والنسيج، والمدارس العلمية ـ لكانت مقنعة ومسكته لثورة 26 سبتمبر، أضف إلى ذلك الأمن الذي يفاخر به آباؤنا ويحنوا إلى مثله.
وأما الوحدة فلم تكن نتيجة جهود جبارة بذلها الرئيس كما يعلم الجميع، صحيح أن الرئيس لو رفض الوحدة لما تحققت، ولكن من يدري هل كان الرئيس سوف يوافق على الوحدة لو احتاجت إلى خروجه من الرئاسة، أو أن يكون نائباً لا رئيس "الله أعلم".
الشباب والرحيل:
قول الله تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، تدل أن الحلول تفرض على الظالم والمفسد الذي يبغي الحياة عوجاً ـ بتبديد أموال الدول في غير أبوابها ووضع الأمور في غير مواضعها ـ من خارجه وعلى يد غيره ممن امتثلوا لقوله جل ذكره: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر))، وهم هنا الشباب يا رئيس، فدع المكابرة وإرحل.
د. علي أبوصلاح
دع المكابرة وإرحل 1877