استطاعت ثورة الشباب الذين ما زالوا يرابطون في ساحات التغيير أن تضرب المثل الرائع للنضال السلمي الحضاري الذي لفت أنظار المجتمع الإقليمي والدولي ونال أسمى آيات الإعجاب بخصوصية طابعه السلمي لشباب يخرجون بصدور عارية للتعبير عن عزمهم في نيل حقوقهم المشروعة بإسقاط نظام شاخ وعفا عليه الزمن، لا يستطيع الاستمرار وتحقيق الحد الأدنى من طموحات الشعب في العيش بعزة وكرامة بعد أن طغى وعاث في الأرض فساداً طيلة حكمه الذي كتم أنفاس شعبنا اليمني لأكثر من 33 عاماً وكرس خلالها أساليب التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن الواحد وشرخ الوحدة الوطنية بانقلابه على الوحدة في حرب صيف 1994م ونهب ثروات البلاد ومقدراتها من النفط والغاز والسياحة ونهب الأراضي والمال العام وتوزيعها على المقربين من أفراد حاشيته وأبنائه وأحفاده وركائز وأركان حكمه وبقية أذياله من البلاطجة والمتزلفين وأبواق الحوارات والمداخلات التي يدافعون خلالها في القنوات الفضائية عن النظام وفسادهم المطلق بتقليب الحقائق وتزييف واقع الحال رأساً على عقب ولا ينطقون إلا بما يملى عليهم وان جاوز حدود الأخلاق والقيم والشرائع والأعراف والقوانين.
هذه الثورة التي أدهشت العالم أجمع بسلميتها وعنفوان شبابها وتحدت جبروت الطغيان والظلم والاستبداد وضربت مثلا رائعاً للثورات السلمية بعد أن خرج اليمانيون من الشباب الثائرين في مسيرات سلمية وتخلوا عن حمل السلاح الذي لا يخلو بيت منه.. وتعد ثورة الشباب سابقة فريدة من نوعها على مستوى الشرق الأوسط بعد أن هزت رياح التغيير لهذه الثورة السلمية لتصل إلى أقصى إفريقيا وبلاد الشام لتسقط أنظمة كما حدث في تونس ومصر وفي طريقها لإسقاط أنظمة أخرى ماتزال تحتضر كثورة درعا بسوريا التي انتشرت في باقي مناطق وبقاع سوريا كما تنتشر النار في الهشيم.
لا أريد أن أطيل لأتطرق في هذا المقال عما بعد انتصار الثورة، فيما لو قدر لها النصر؟ هل سيرحل الفساد إلى الزوال نهائياً، أم انه سيبقى في حالة من البيات الشتوي ليخرج من أوكاره مرة أخرى؟، هل يستطيع هؤلاء الشباب أن يجتثوا مكامن الفساد ومخابئه إلى الأبد؟ وهل يستطيعون بناء دولة مدنية تقوم على أسس العدالة والمساواة والديمقراطية والتعددية وتكرس مبادئ التداول السلمي للسلطة وإرساء بنيان الدولة الحديثة دولة النظام والقانون؟، أم إننا سننقلب على أهداف الثورة ونتحول إلى طواغيت من نوع آخر كأن نصبح جمهوريين ونمسي ملكيين ونتحول إلى سياديين لا نقبل بغيرنا ويكون لسان حالنا ( أنا وما بعدي الطوفان ) كحال رؤسائنا من الحكام الشرقيين؟
هل ستحل ثورة الشباب قضية أبناء الجنوب شركاء الوحدة، أم أنها ستمارس نفس العنجهية التي مارسها نظام صالح الانقلابي على شعبه بالكامل في شمال الوطن وجنوبه؟
إن على ثورة الشباب أن تتجنب سلبيات النظام السابق التي يعرفها القاصي والداني بعد أن أصبح يضرب به المثل في الكذب وتلفيق الحقائق، بعد أن أداخ هذا النظام برؤوس جيرانه الخليجيين والمجتمع الدولي الذين تعنتوا وتعصبوا إلى جانب حكم الطاغية وأعوانه من طواغيت نظام الفساد والإفساد.. نظام الإرهاب الداخلي ضد شعبه وضد الجيران ولكن يا ليتهم يعلمون ما يعلمه الشعب اليمني الثائر عن النظام ومصائبه.
ونقول إن الشعب اليمني لا يستحق من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان هذا الوقوف غير المبرر إلى جانب النظام وعلي عبدالله صالح اللذين فقدا شرعيتهما مهما كانت المبررات بأنهم يريدون عدم حدوث حرب أهلية لان ما سيوقف الحرب الأهلية حقيقة هو الضغط على نظام علي صالح وأركانه ضغطاً حقيقياً إقليمياً ودولياً وتجميد أرصدتهم وتهديدهم بالملاحقة إن لم يستجيبوا لإرادة الشعب اليمني في الثورة والتغيير لان هذا النظام نظام استفزازي سيظل بقائه يهدد العربية السعودية الشقيقة بورقة الحوثيين والمد الشيعي الإيراني وهذا زعم باطل وليس له أساس من الصحة، لان ما يحدث من تهديد مزعوم هو من صنع النظام الذي لا يريد أن يفهم طبيعته الإخوة الخليجيون وأن هذا النظام مراوغ كالثعلب بل وانه لأشد مكراً من كيد الماكرين.
وكذا استخدامه لورقة القاعدة والحرب على الإرهاب في جزيرة العرب وتحديداً ( اليمن ) لابتزاز أميركا وأوروبا وغيرهم بدعمه وإمداده بالمال والعتاد والمنح والهبات وان تطلب الأمر أن يقوم بعمليات يستهدف بها مصالح غربية ( أميركية وأوروبية ) كي يلوي بها ذراع أميركا وحلفائها وهذا العمل تستسيغه أميركا ومن على شاكلتها لان ضرب الحبيب كطعم الزبيب ومحاولة إيهام العالم بان الإرهاب منبعه الجنوب كي لا يحصل أبناء الجنوب على حقوقهم التي سلبها هذا النظام القمعي الذي يعيش الرمق الأخير من حياته ولاستمالة مواقف أميركا والأوروبيين لنظامه على حساب الجنوبيين المظلومين والمغلوبين على أمرهم بفزاعة الإرهاب الذي لا يمت لأبناء الجنوب بصلة ومع هذا لا يريد أن يفهم الأميريكان دهاء ومكر هذا النظام الذي لا بد أن يزول شاؤوا الأميريكان والأوروبيون والخليجيون أم أبوا لان ثورات الشعوب تنتصر على الطغاة والمستبدين من الداخل ويسقط الجبابرة والمستبدون.. وإن غداً لناظره قريب.
سالم العور
وإن غداً لناظره قريب 2111