يحاول النظام العجوز أن يضع كل ما تبقى من مساحيق على وجهه ليظهر للعالم أنه ما زال قادراً على إدارة الوضع والسيطرة على مجريات الأحداث ومحاولة إقناعه أن هذه الثورة مجرد احتجاجات مؤقتة تنفرد بها مجموعة حزبية تمردت على الشرعية الدستورية وأن محاولة شقها يبدو سهلا.
 في حين تتوزع البيوت المتحركة في كل مكان في عرض البلاد وطولها مدججة بورود السلام وتعليقات الرحيل والمحاكمة، لتصبح قادرة على استيعاب الملايين من الناس..
ثلاثة أشهر والناس مستمرين في اعتصاماتهم كل يوم تزداد فيها قاعدة البيوت المتحركة لتصبح كابوساً ينام عليها الرئيس ويحاول أن يستيقظ دون أن يجدها أمامه.
يبدو أن الرياح تسير عكس ما تشتهيه السفن وأن موقف الرئيس العجوز بدا مكشوفاً وأن السياسة التي تعلمها طوال ثلاثة وثلاثين سنة كانت مجرد حبر على ورق وشهاداته الفخرية في السياسة التي حصل عليها لاتعدو عن كونها ورق مقوى.
الموقف الإقليمي والدولي حدد موقفه من سياسة صالح القمعية والخرافية ووضح موقفه بصراحة فالكثيرون منهم قدم النصح والإرشاد لصالح بالتنحي واتقاء الأزمة وصدها بسرعة والنجاة بنفسه قبل فوات الأوان كحل قريب يخرجونه من وكعته ويكون المصير حسناً، لكن الرجل متمسك بعناده ولا يريد المغادرة بشرف وربما يريدها الحرب عليه وعلى أعدائه.
أوراق كثيرة قد استخدمها صالح وظهر تأثيرها على الساحة، لكنها لم تكن أقوى من إرادة الملايين ولم تستطع مقاومة صيحات الثائرين في كل مكان، نعم في الأمس استخدم ورقة التزييف للحقائق من خلال التلفزيون الرسمي عبر أفواه خانت المهنة وشرفها، وما زال يتعمد هذه الطريقة بالرغم أنه يدرك أنها تؤدي إلى طريق مسدود، وستكون في نهاية المطاف ورقة أخرى كالتالي يصنعها داخل ساحات التغيير وميادين الحرية لبث الفرقة بين الشباب المعتصمين وأحزاب اللقاء المشترك الذي يحاول جاهدا أن يكون له دورا في رحيل صالح ونظامه بغض النظر عن الخلافات الشخصية والتحديات القائمة بينهما، وورق أخرى كثيرة ومن أهم تلك الورق الخبيثة التي يستخدمها النظام كأبشع طريقة يستخدمها لقتل الحياة الآدمية وهي ورقة الدم التي يحاول تنفيذها عل وعسى يرتعب منها الشباب الثائر.
نقول تلك الورقة لم ترعب أحدا منهم، فاستمرت صدورهم العارية في استقبال رصاصته دونما وجل، فسقط مئات الشهداء وآلاف الجرحى بفعل هذه الورقة النتنة التي لم تثن الشباب عن عزمهم على إسقاط النظام.
ورقة الدم التقليدية التي أرى أنها هكذا بنظر الحاكم هي مرحلة تقود إلى مرحلة أكبر من سابقتها بكثير وأكبر من أن يتوقع أحد.. كيف لا والرجل متمسك بتعنته والثروة تحت سيطرة الأسرة الحاكمة، فلا يهمه إلى أين ستصبح البلاد المهم كيف يصلح حال الأسرة المهتز أركانها، ويواجه دوامة الاستقالات والتخلي التي لم يتوقعها من أنصاره الذين قضوا معه عشرات السنين يبايعونه على السمع والطاعة والوفاء للقائد، لكنه تفاجئ بنكران الجميل ومخالفة الملك والتمرد على الشرعية الدستورية المفقودة..
 ربما نصف قواعد القوات الجوية تحت سيطرة المناصرين للثورة والنصف الأخر تحت تصرف الأسرة الحاكمة، أكثر من نصف قوات الجيش مؤيدة للثورة الشبابية وما لم يكن يتخيله صالح حدوث انشقاق في قوات الأمن المركزي، ومعارضة مستميتة وشعب تفلت من أغلال قاهره.. قيودا استمرت ثلاثة عقود من الزمن واليوم تفكك هذا الظلم وصرخ الشعب الثائر بأعلى صوته ارحل وتفجرت ينابيع الحرية في كل أقطاب الوطن .
لهذا كله يواجه الرئيس العجوز هذه الموجة ويصر على تعنته ويدافع عن حكم أسرة عملت على تحول الجمهورية إلى ملكية بطرق خطط لها طوال ثلاثة وثلاثين عاما. هو يعرف أنه لن يفلح ولكن المهم أن يقاتل ولو على حساب تدمير وطن بكل ما يملك حتى لا يبقى أعداءه منتصرين وسيشعلها ناراً وسيرحل، لكن بعد أن تنفجر الحرب بين معسكري الحرية والكرامة ومعسكر الظلم والاستبداد، وسينتصر الشعب و سيرحل العجوز وأبناؤه وسيترك وراءه عهدا أسوداً كان اسمه علي صالح.
ASBHI66@GMAIL.COM