غريب أمر هذه الدنيا والأغرب منها هم أولئك الذين لا يزالون يكابرون ويقفون إلى صف الظلم عمداً وعدوانا ينظرون إلى الواقع من نافذة واحدة ويصدوا بقية النوافذ الأخرى , لم يفكروا يوما ما بالنظر إلى حالهم المزري الذي أوصلهم عنادهم وغرورهم إليه , ورغم تفكك كيانهم وتشظيه ومع ذلك يواصلون مجازرهم وعنادهم تجاه هذا الشعب الطيب الصابر عليهم ثلاثة عقود، لأنه لم يعد يتحمل فسادهم وجورهم، فخرج جماعات وأفراداً إلى الشارع، ينصب الخيام ويحمل شعاراً يطالب بالرحيل.
ورغم سلمية اعتصاماتهم ومظاهراتهم إلا أن رصاصات الغدر والخيانة اخترقت صدورهم العارية مكافأة للجوع والذل والمهانة والظلم والمرض والفساد خلال ثلاثين عاماً مضت.
ما دفعني لكتابة هذا هي تلك الحملة الشرسة التي شنتها الفضائية اليمنية ومذيعوها واتصالات أذناب المؤتمر المتهجمة على الأخت العزيزة توكل كرمان يوم الخميس الماضي , عقب مذبحة عصر الأربعاء الدامي التي ارتكبها النظام وبلاطجته بحق المعتصمين وراح ضحيتها أثنى عشر شهيداً ومئات الجرح جوار بنك الدم وسط العاصمة صنعاء , وكأن الأخت توكل هي من أخذت السلاح الناري واعتلت أسطح المنازل لقنص رجال الأمن وبلاطجة الحاكم , وتناسى الإعلام الرسمي كيف تم قمع الأخت كرمان قبل ثلاثة أشهر في شارع الجامعة وبميدان التحرير أثناء خروجها مع مئات الشباب للتضامن مع الشعب التونسي , وكيف تم اقتيادها من جوار منزلها إلى السجن, وتناسوا أيضاً كم مرة قامت عناصر الأمن بالاعتداء على كرمان في ساحة الحرية وهي تقف إلى صف ضحايا فساد النظام وبلاطجته من مهجري الجعاشن, الذين طردهم شيخ نافذ من منازلهم إلى غير رجعة، فقط لأنهم أرادوا أن يدفعوا الزكاة ثالث أركان الإسلام إلى الدولة، ممثلة بمكتب الواجبات وليس لمليشيات هذا الشيخ الذي يستمد قوته عبر علاقة شخصية مع رأس النظام.
وبينما أنا اسمع ذلك من القناة الرسمية للجمهورية اليمنية إذا بأحد المشائخ يتصل ويعير الشباب المعتصمين بقوله (توجههم توكل كرمان ) ويتساءل بالقول (كيف يرضوا أن تقودهم امرأة ؟!) ولهذا الشيخ ولقناة اليمن الرسمية ومذيعيها وللنظام وكافة رموزه وأذنابه أقول لهم جميعا: نحن اليوم في عصر الثورات وإرادة الشعوب الثائرة التي كسرت حاجز الخوف وخرجت إلى الشوارع والميادين تطالب برحيل كل فاسد وظالم ومبتز لحقوقهم وثروات أوطانهم.
إنها ثورات الشباب المتعلم والمتطلع إلى مستقبل أفضل يكفل حقوقه ويمنحه حريته ويصون كرامته , ولا تنسوا المثل القائل (وراء كل رجل عظيم امرأة ) ونحن نقول أيضاً في ظل هذه الأوضاع والثورات التي تشهدها البلدان العربية (وراء كل رحيل امرأة ) طبعا مع اختلاف أوجه الشبه ودور المرأة في مسببات الرحيل , والبداية من تونس , فهناك امرأتان كانتا وراء رحيل بن علي من رئاسة تونس , الأولى تقطن في القصر وبسبب قرابتها من ا لرئيس زوجها , كان لها الدور الأبرز في نهب ثروات البلاد وانتشار الفساد المالي والإداري والفوضى والظلم بين أوساط البلاد وثراء أقاربها على حساب جوع وآهات ملايين التونسيين.
أما المرأة الثانية فهي تلك الموظفة في جهاز الأمن أو البلدية بتونس والتي خالفت اللوائح والقوانين ووجهت صفعة قوية في وجه الشهيد البو عزيزي، الذي أشعل النار في جسده وأشعلت تلك الصفعة ثورات شعبية وشبابية في مختلف البلدان العربية , وربما أن لسوزان مبارك أيضاً دور سلبي ساهم في إشعال الثورة المصرية , لكن في أرض السعيدة اليمن يختلف الوضع تماماً حول دور المرأة الايجابي في هذه الثورة التي تشهدها بلادنا اليوم ’ وكيف لا وهي حفيدة الملكة بلقيس والسيدة أروى بنت أحمد الصليحي تقول لكم يا من تعيروا الشباب أنها تقودهم امرأة ممثلة بتوكل كرمان أن هذه المرأة قد حكمت اليمن منذ آلاف السنين ولا نزال نتحدث عن مجدها ونفتخر في أثارها وتاريخها, هذه المرأة اليمنية هي نفسها اليوم التي تتقدم شباب الثورة مطالبة بإسقاط نظام جاثم على آهات ومعاناة ملايين اليمنيين منذ عشرات السنين , هي نفسها من وقفت مع البسطاء والمساكين الذين سلبت حقوقهم وانتهكت حريتهم من قبل بعض النافذين الذين كانوا في عهد هذا النظام ويظنوا أنهم فوق النظام والقانون , وتحميهم من العدالة.
أما مناصبهم الحكومية أو الحزبية أو العلاقات الشخصية مع رأس النظام , فليس عيبا أن تعتلي المرأة اليمنية منصة ساحة الحرية والتغيير لتطالب بالحرية والأمن والعدالة والمساواة وحماية الحقوق وخيرات البلاد وثرواتها من اغتصاب النافذين وعبث الفاسدين , الكل يعرف توكل كرمان منذ زمن وهي الصحفية والحقوقية الشجاعة ولسان الحرية وصوت الحق في مختلف المحافل والمناسبات وهذا شرف كبير لكافة أبناء الوطن ومثلها لا تستطيع تلك الأصوات النشاز أن تثنيها أو النيل منها وأنها الثورة حتى الرحيل بإذن الله.
عبدالوارث ألنجري
وراء كل رحيل امرأة 2165