اليمن على وشك الانفجار.. الحال اليمنية تقترب من منطقة الاشتعال.. الحكومة والمعارضة تسيران بالقارب اليمني باتجاه نقطة اللاعودة.. النخبتان المتخاصمتان الطارئتان على التاريخ اليمني تؤججان الوضع بحثاً عن المصالح الوقتية الخاصة، والملايين، التي هي في حقيقتها المكون الرئيس لليمن، والتي هي في حقيقتها الداعي الأول للتخلص من يمن القرن الماضي، والتي هي في حقيقتها من أطلق شرارة بدء التغيير، تتفرج على خيبتها بانتظار الوقوع في فخ الفوضى الداخلية التي ستطحن بسطاء الناس في رحى جوعها وفقرها ومرضها وظلمها، فيما ستعيد تصدير رموز السلطة والمعارضة من جديد إلى المشهد السياسي (والاقتصادي أيضاً) كأمراء حرب متنفذين!.
السلطة والمعارضة وجهان لعملة واحدة في اليمن، وهما مستفيدان من مرحلة عدم التوازن الحالية، ومستفيدان أكثر من مرحلة عدم الاستقرار المقبلة، لا سمح الله، والخاسر الوحيد في المرحلتين هو الشعب اليمني.
السلطة والمعارضة يتجاذبان الواقع اليمني في حقبة زمنية استعصت على (التجدول) في تاريخ القطاع العريض من الناس، وصار لزاماً على أبناء الشارع الذين فجروا الثورة قبل أسابيع أن يتدخلوا لوضع حد للحال المجنونة التي تقود العربة اليمنية إلى حافة الحرب الأهلية.
أبناء اليمن وحدهم هم القادرون على إنهاء الأزمة وقطع الطريق على طرفي السلطة والمعارضة كي لا يتربحا سياسياً من وراء تعليق الأسئلة والأجوبة المبللة على حبل الوقت.
أبناء اليمن خارج السلطة وخارج المعارضة هم الذين يمتلكون وحدهم الرؤية الواضحة والهدف المحدد، بعكس خصومهم في الحكومة والمعارضة، فمن جانبه يبدو أن الرئيس علي عبدالله صالح يراهن على مسائل أخرى لا علاقة لها بمسألة الحصول على تأكيدات خارجية تضمن له الخروج من السلطة بسلام! ومن الواضح أيضاً أنه يتعرض لسيل من النصائح المتعارضة والمختلفة التوجهات والأهداف إلى الدرجة التي جعلت الراصدين والمحللين للوضع اليمني خلال الشهرين الماضيين غير قادرين على رسم طريق واضح لمستقبل الأحداث، ومن الواضح كذلك أنه يراقب الأوضاع في ليبيا وسورية ويعمل على إسقاط الخبرات المكتسبة منها على الحال اليمنية.
قبل شهر من الآن وافق صالح من حيث المبدأ على المبادرة الخليجية التي تنص على تسليم السلطة لنائبه، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل الأطياف اليمنية كافة، يناط بها إجراء انتخابات عامة، ثم عاد بعد أيام فرفضها، ثم عاد من جديد وقبلها، ثم قرر توكيل مستشاره عبدالكريم الارياني للتوقيع عليها في الرياض، ثم تراجع من جديد ورفض التوقيع بصفته الرئاسية، عارضاً المشاركة في المبادرة بصفته الحزبية! هذا الارتباك وعدم الوضوح في الرؤية يُبيّن جانباً من توالي هجوم متلازمة «الأمل واليأس» على أعصاب صالح، فعندما يقرر - وهو ضعيف - القبول بالأمر الواقع والخروج من اليمن بضمانات كافية، تلوح أمام عينيه فرصة «البقاء الرئاسي» اعتماداً على نصيحة طائرة أو خبرة إقليمية طارئة، فيعود من جديد «قويا» نافضاً عنه غبار الضعف وقلة الحيلة. وكما أن الأمور غير واضحة بالنسبة لصالح، فهي أيضاً غير واضحة بالنسبة للمعارضة، فهي تتحدث حيناً باسمها المجرد، وتتحدث في أحايين كثيرة باسم الشارع وثورته الطارئة.
المعارضة مرتبكة، مثلها مثل علي عبدالله صالح، لأنها وجدت نفسها فجأة في خضم عملية سياسية لم تكن تحلم بها في يوم من الأيام، وعلى أبناء الثورة الموجودين الآن في ساحة التغيير ألا يثقوا كثيراً بتمثيل رموز المعارضة لهم، فهم وإن تحدثوا بلسان الناس، فإنهم يظلون نتاج حكم صالح الطويل. يحملون ملامحه وتضاريس وجهه، ويتشبهون به من حيث لا يدرون، أذ إنهم من خلال سعيهم الحثيث للهروب منه، يلتقونه في الأماكن البعيدة عن مصالح الشعب.
المعارضة غير قادرة على موازنة الوضع في اليمن، ولا سبيل من الخروج من الأزمة إلا بإتباع طريقين لا ثالث لهما: الأول تدخل الجيش وإسقاط صالح وتكوين مجلس عسكري أعلى بمباركة شعبية، يكون قادراً على إدارة أمور الحكم في البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أسرع وقت، والثاني اختيار ممثلين للشعب من ساحة التغيير نفسها، شباباً وحكماء، ليفاوضوا صالح على أساس المبادرة الخليجية. الجيش وشباب الثورة هم القادرون على نقل اليمن من المرحلة الديكتاتورية إلى طريق الديموقراطية، ويجب ألا تفوز المعارضة، التي هي الوجه الآخر لصالح، بثمار بذور لم تزرعها، ولم يكن لها في يوم من الأيام دور في زراعتها.
هذان الطريقان لابد أن يكونا تحت ضمانة دول الخليج العربي، التي عليها أن تتصرف بناء على منطق القوة والحزم للوصول إلى مخرج سلمي ينقذ اليمنيين من الوقوع في أتون الحرب الداخلية، ولا ينبغي لهذه الدول أن تلتفت للأصوات الإقليمية التي ترى في المبادرة الخليجية تدخلاً في الشأن اليمني وضغطاً على الوضع هناك سيؤثر على طبيعة وشكل النهايات الحتمية لمثل هذه الثورات.
تدخل دول الخليج في الشأن اليمني لا يمثل مشكلة بالنسبة لي، فاليمن ليست دولة كاريبية أو جنوب آسيوية، اليمن تقع في الفناء الخلفي لدول الخليج العربي، وما سيحدث بها سيكون له تأثير مباشر على دول المنطقة.. حرص الخليجيين على الإسراع في الخروج بحل يجلب السلم والأمن لليمن ليس هو المشكلة، المشكلة تكمن الآن في طريقة تعاطي الأطراف اليمنية المتصارعة مع المبادرة الخليجية.. كلا الطرفين (السلطة والمعارضة) يراهنان على الحرص الخليجي على حل الأزمة لعلمهما أن دول الخليج قلقة جداً من انفجار الوضع، ليس حباً في اليمنيين فحسب، وإنما خوف من انتقال حال عدم الاستقرار إلى باقي دول الجزيرة العربية، كل طرف يضغط على دول الخليج للخروج بحل يناسبه، وليس بالضرورة أن يناسب الطرف الآخر.. المشكلة تكمن هنا بالضبط، وهذا ما سيجعل الخروج من حال الاحتقان أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
أظن أن تحويل المبادرة باتجاه الجماهير التي تملأ ساحة التغيير هي الخطوة الأولى في طريق الحل، وأظن أن هذه الجماهير أقدر على إدارة مرحلة الخروج من الأزمة من علي عبدالله صالح و«أعدقائه» الذين يشبهونه في أحزاب اللقاء المشترك.. اليمن يحتاج لخريطة طريق جديدة ترتكز على إدخال الشعب بأطيافه كافة في التفاصيل، وليس إعادة تدوير أطراف التأزيم الدائمة واستحضارهم كممثلين وحيدين للشعب.
نقلا عن دار الحياة
عبدالله ناصر العتيبي
في سيرة علي صالح و«أعدقائه»! 1919