يصح لنا الزعم بحظنا الكبير لمعاصرتنا واستخدامنا الوسائط العديدة، القادرة على عرض منتجاتنا الثقافية والإبداعية على الإنترنت، ففي هذه الوسائط ما يجعل الحياة أكثر رحابة ومنها:
1- سرعة الاتصال باللغة ذاتها، حيث يتاح لنا النظر إلى العمل ذاته من وجهات نظر بالغة التنوع، واللغة هنا ربما لا تعني العربية بالذات، ولا لغة بعينها على وجه التعيين، ولكن اللغة فقط بوصفها اللسان الأول لكل منا.
واللسان هو الآن في مهب امتحان قدرته على الاتصال بغير الوسائل التي عهدها منذ ولادة أبجديته.
2- شبكة الإنترنت توفر، وبتسارع عميق التطوير، تعدد الترجمات إلى اللغات المختلفة، رئيسة كانت أو ثانوية، بل إن ثمة ما يتيح لهذه اللغات الثانوية أن تبرز في أهميتها بقدر ما تقترحه علينا من إبداع أو معرفة، فربما تحيي هذه الوسيلة الخطيرة بعض اللغات وتنعش بعض الأقليات للحضور بإبداعها وإسهامها الفكري بغض النظر عن حجمها الجغرافي.
هذا التعدد النوعي في الترجمة إلى اللغات المختلفة، من بين أسباب أخرى، سيجعل الانتقال الكامل للنصوص والأفكار، حدثاً يومياً يؤثر كثيراً في درجة المنتج الإبداعي ونوعه.
3- من خلال شبكة الإنترنت أيضاً، سوف يتوافر مناخ من الحوار المباشر، للمعرفة الحية، وعن كثب، كما لو أن الجميع يجلس في الغرفة نفسها وعلى الطاولة نفسها للحوار وتبادل الآراء، وهذه لحظة بالغة الحسم في ما يتعلق بالوقت والكلفة والنوعية، وهي شروط باتت على رأس قائمة مشروع الإنتاج الإنساني في جميع الحقول، لكن في حقل الثقافة والفنون من شأنه أن يمنح الفرصة النادرة لجعل الثقافة العربية على محك امتحان ليس من الحكمة تفاديه، وربما يصح أن نقول من الاستحالة تفاديه من دون أن نخسر فرصتنا في التوجه نحو المستقبل.
4- في مثل هذا الاتصال اليومي الذي يشكل المشاركة الحية في ورشة الحياة، سيكون وقت العمل هو ذاته وقت القراءة والنقاش والإنتاج والاكتشاف والكشف، وفي هذا ضرب من الاختزال النوعي لطبيعة العلاقة الحيوية بين التفكير والعمل والاستخدام، وهي آلية كثيرة التطلب من جهة كونها تقوم على المعرفة قبل الموهبة، بمعنى أن علينا الذهاب إلى تلك الطاولة في تلك الغرفة ونحن على درجة كبيرة من اليقظة والوعي، بحيث نكون مؤهلين بحساسية إبداعية جديدة وجادة وجديرة في آن واحد.
5- سيكون العمل الإبداعي، نصاً أو تشكيلاً، قيد العمل والتداول منذ لحظة تخلقه الأولى، وهذه آلية تجري تنميتها بشكل بالغ الحذر، لكنها الآن بمثابة الاستعداد الكوني للتعامل مع مستقبل الإنتاج الفني الوشيك، وعلينا أن نثق في حقنا في الذهاب الحر نحو هذا الأفق بالرغبة الصادقة في المعرفة وليس بإدعاء تلقين العالم الدروس، خصوصاً دروسنا غير الواضحة وغير الناضجة والعاجزة عن التحليق لفرط الحسبة.
6- من خلال هذه الوسائط المتسارعة التطور، ينبغي علينا إعادة النظر في مفهومين غامضين ويظلان كذلك يشكلان العنصر الفيزيائي الجوهري في مثل هذه الوسائط، ليس بوصفهما التقني فقط، ولكن بوصف صلتهما بالمخيلة الإبداعية على وجه الخصوص، المفهومان هما: الضوء والغبار، عن أي غبار سديمي للخلق الجديد يمكننا الكلام عنه الآن ونحن في ذروة التحولات الكونية للمجرات الجديدة، وماذا يعني الضوء (فيزيائياً وفنياً)، وهو ينفلت بالتسارع الغامض مخترقاً عتمة ممرات وأودية السيلكون منطلقاً نحو الأفق اللانهائي المجهول؟
كلمة قلم:
كثير من الناشطين في شبكة الإنترنت الذين أصبحوا يفضلون المشاركة في التفكير والإنجاز في اللحظة نفسها، يدركون أن هذا النوع من العمل قد أصبح من طبيعة وسائط الاتصال الجديدة، وربما أغنى هذا الأسلوب منتجاتهم الإبداعية في شتى الحقول، حيث يثري الحوار الإيجابي سعيهم الدؤوب نحو بلورة تجاربهم، وقد ساعد هؤلاء الناشطون على فتح الآفاق للعديد من المواهب والتجارب المترددة والمحاصرة والمحجوبة عن حقها في المستقبل، فالنشاط هنا هو ما تحتاجه فعلاً الحقوق المهدورة في المكان والوقت العربيين.
Motazikbal7@gmail.com
معتز إقبال
الفنون في وسائط الضوء!! 2152