هذه الثورة التي اجتاحت العالم العربي بدءاً من مغربه (تونس) مروراً بقلبه (مصر) وصولاً إلى ذروته ( اليمن) تنتصر ونحن نشاهد الآن بعين اليقين رايات النصر تلوح وترفرف على جنبات هذا العالم العربي الجديد الحُر.
لقد تمكنت الثورة اليمنية من كبح الاستبداد لدرجة أن يعلن بلسانه (لا للتمديد، لا للتوريث، لا لتصفير العداد).
وتمكن شباب الثورة من كسر حاجزٍ أبدع المستبدٌ ببنائه وهو حاجز الخوف، وأصبح الشباب يجاهرون بما كان يتردد آباؤهم في التفكير فيه، حين رحل الخوف من قلوبهم قالوها بملئ أفواههم، ترتج لها جوانب المكان وتتردد أصداؤها في الزمان ( إرحل).
ومن إبداعات الثورة الشبابية اليمنية قدرتها على صياغة مفهوم جديد للقبيلة لقد تحولت القبيلة بفعلهم إلى واحدة من منظمات المجتمع المدني الحديث، تجاوزت المفهوم القديم الكلاسيكي للقبيلة إلى صنع وصياغة مفهوم جديد يحتفظ للقبيلة بأجمل ما فيها ويفتحها على أحسن ما لدى منظمات المجتمع المدني الحديث من التضامن في طلب الحق وتأييده، وحُسن التنظيم للوصول إليه، وحُسن الإستمساك بما نصل إليه وجميل إدارة ما نكسبه.
ومن إبداعات الثورة اليمنية تطوير مفهوم السلاح، بالأمس كان السلاح قطعة حديد يقهر بها إنسان جبارٌ أخاه، واليوم تحوّل السلاح إلى (Laptop) في شبكة إجتماعية تدعى (face book) يدخل الشباب في أجهزتهم فيقيمون دُولاً ويُقْعِدون أخرى، لا تحدهم حدود ولا تقيدهم قيود، لا حد لطموحهم، لذلك رأوا أنهم في أفقهم العالي هذا لم يعودوا بحاجة إلى قطع الحديد ( السلاح بالمفهوم القديم)، وضعوا أسلحتهم التقليدية في بيوتهم وأصبحوا يقهرون السلاح ـ الحديد الذي تمسك به المستبد ـ بإرادة هي أقوى من الحديد وإيمان يصنع المعجزات، لذلك انتصر السلاح الجديد على القديم.
ومن إبداعات الثورة اليمنية أنها ثورة إنسان ليست حكراً على الثائر الرجل أو الثائرة المرأة، لذلك رأينا المرأة اليمنية تؤسس للثورة وتتقدم الصفوف وتجهر برأيها غير هيابة ولا وجلة، وهو فعل تجاوز مرحلة التنظير إلى العمل وأغنى الكثيرين منّا عن كثير من الحديث عن الحيثيات والمبررات لدور المرأة في الحياة العامة وبالذات منها العمل السياسي، فُعل المرأة اليمنية اليوم تجاوز تفكير القاعدين وأحاديث المثبطين.
وفي اليمن اليوم، اليمن الجديد، نضج حضاري لمفهوم الحزبية، فبالأمس كان هناك أحزاب تتنافر، تتشاكس، تتحارب، يخوّن بعضها بعضاً، بل ويكفر بعضها بعضاَ، اليوم إجتمعت في ( اللقاء المشترك) تجمعها مصلحة الوطن، يجمعها كره الإستبداد، يجمعها كراهية الفساد.
هذه هي الحزبية التي يحتاجها أوطاننا، حزبية البناء والتنافس من أجل خدمة المواطن وتقديم مصلحة الوطن على كل مصلحة وفوق ذلك جميلٌ إستيعاب لعبة المستبد الذي اتخذ من الأحزاب في ساحته أحجار شطرنج، أراد أن يحركها كما يشاء ولكنه فشل في تفريقها حين التقتْ في (اللقاء المشترك).
حين استمع إلى الشباب وهم يتحدثون أدرك إلى أي مدى تمتلئ نفوسهم بالثقة في ربهم وقرب نصره وبإيمانهم بقدرتهم وحدهم من غير تدخل خارجي على صنع التغيير المطلوب .
إننا أمام مشهد رائع تتشكل فيه شيئاً فشيئاً ملامح الدولة المدنية اليمنية القادمة، دولة العقل والخبرة والمساواة والحرية والديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان، والشراكة بين المرأة والرجل في صناعة الحياة.
عن الصحوة نت
أ.د/ عبد الملك منصور
إبداعات الثورة اليمنية 1948