ليس ثمة شك في أن صدمة شديدة أصابت رموز النظام الفاسد جراء طوفان ثورة الشباب الشعبية السلمية, بدليل الكلمات والعبارات التي يستعملها كبيرهم ويرددها تلاميذه -الذين تعلموا منه السحر- في وسائل الإعلام المختلفة, على نحو عبارة "رأب الصدع ", وعبارة " فاتهم القطار"؛ فالأولى التي صدَّع بها رؤوسنا منذُ أول وهلة ؛ في محاولة لتصوير الحالة الثورية الفريدة الدائرة رحاها في كل مناطق اليمن، في ريفها وحضرها, و في سهولها و جبالها , يقودها الشباب وتدفع بها كل فئات الشعب وشرائحه؛ في حالة من التماهي الأخلاقي نادر الحدوث, يصورها على أنها مجرد صدع ( شرخ ), يمكن رأبه ,إذ لم يعُد يمتلك القدرة على التمييز - بسبب هول الصدمة - بين الصدع والزلزال؛ مع أنه يرقب تهاوي العرش , ويشعر بأن موجة التسونامي الأخيرة قد آن أوانها بعد أن وصل ارتفاعها إلى أعلى مدى, ولم يتبقَ لها سوى النزول بقوة و إسقاط النظام بالضربة القاضية.
أما عبارة "فاتهم القطار" هي الأخرى حولها علامة تعجب كبيرة؛ فحياة الرجل لا تدل على أنه استمتع ذات يوم برحلة قطار حقيقية, و إلاَّ لكانت روحه قد تحررت من الانغلاق على الذات والأنانية و الاستعلائية؛ وهي تنتقل من محطة إلى أخرى, و لأدرك بأنه مجرد راكب للقطار, وأن قطاره قد وصل إلى آخر محطاته؛ أمام بوابة الجامعة، وأن عليه النزول فيها, لكن يبدو أن القطار الذي يتحدث عنه إما موجود في القصر الجمهوري، وهو قطار (لعبة) ليس له محطات, أو هو قطار يتعامل معه في لعبة (بلايستيشن) .
بالعودة إلى هول الصدمة التي زلزلت أركان النظام الفاسد, فإن الحديث عنها يفتح نافذة مناسبة لاستعراض بعضٍ من حقائق النظام الدكتاتوري وأخطائه؛ التي تتجلى في ممارساته الاستعلائية الغبية الناجمة عن خواء عقلي لرأس النظام؛ إلاَّ من مخططات الإجهاز على مقدرات البلاد بغية الوصول إلى مآربه الخبيثة في اغتصاب الوطن وسرقة خيراته، وهو الأمر الذي تدل عليه الكثير من المؤشرات؛ بل والوقائع الملموسة؛ إذ صار يمارسها جهاراً نهاراً؛ على قاعدة الاستعلاء واللامبالاة، ولسان حاله يقول ( شوفونا )؛ التي تُظهره عابثـًا غير آبه، ولعل أهم ما يؤكد هذا الطرح هو إدارة النظام الفاسد للبلاد على طريقة عصابة (آل كابوني)؛ التي لا تضع اعتبارًا للقوانين والنظم؛ بل ترى ذاتها فوق القانون، و بالمحصلة وجود رئيسٍ؛ نظامه لا يمتلك مشروعًا نهضويًا يدفع الوطن نحو التطور والنمو، وكل ما هنالك مخطط دكاكيني يبرر لرئيس العصابة بقاءه على سدة الحكم، يضاف إلى ذلك إدمان الفشل الذي رافق النظام ( العصابة)؛ لاسيما الرئيس في تنفيذ الوعود التي يقطعها ومن حوله على ذواتهم تجاه الشعب، وعلى مرأى و مسمع المجتمع الدولي، وهو ما يمكن قرأته على أن تلك الوعود لم تكن سوى ذر رمادٍ على العيون، للتغطية على الأخطاء والإخفاقات؛ و إلاَّ بماذا يُفسر الوعد بالقضاء على الفقر خلال سنتين؛ الذي أطلقه (كبيرهم) بعد الانتخابات المزورة الأخيرة؟، فلم ينتهِ العام 2009م إلاَّ و نسبة الواقعين تحت خط الفقر في اليمن قد ارتفعت إلى ما يقرب من نصف السكان.
إنَّها 33 عامًّا من اللانظام، و اللاقانون، من الهيمنة و الإذلال؛ لم تورِّث سوى التصرف باستهتار بمقدرات البلاد وثرواتها، ناهيك عن سلوكيات التكبر والاستعلاء على الشعب؛ إذ وصل الأمر بالرئيس أن وضع ذاته موضع الوطن؛ ساعده في ذلك تصرفات المتواطئين من المقربين منه و المحيطين به، الذين لا يفوتون مناسبة إلاَّ صرحوا فيها بأنه - وحده– القادر على تحقيق طموحات الشعب؛ فهو صاحب المنجزات ( المعجزات )، ليتضح في آخر المطاف بأن هذا الشعب المغلوب على أمره كان يعيش خديعة كبرى؛ قذفت به خارج التاريخ بعد أن أخـَّر النظام تقدمه عقودًا من الزمان، فالعالم يتطور و يتفاخر بإنجازاته، و شعب اليمن لازال يحكمه جاهلٌ متخلِّف مدَّعي؛ بدليل إنه لم يرَ في ثورة الشعب سوى ( صدع ) و(قطار فات ).
وأخيرَا يبدو أنه اكتشف سر الثورة الخطير ( اختلاط النساء بالرجال في ساحات الحرية والتغيير)؛ حينما أعلن ذلك على الملا بزهوِ طاؤوسٍ؛ كمن وضع يده على العقدة، غير أن فتيات الثورة و نساءها نتفن ريشه – أيضًا – على الملا عندما هتفن: "إرحل.. أنت عارٌُ على اليمن".
د. هشام عبد العزيز ناشر
هم "فاتهم القطار".. وقطارك وصل إلى محطته الأخيرة 1796