كأنك في حضرة العبقري " شكسبير" وأنت تقرأ أو تشاهد إحدى مسرحياته التراجيدية، فالدراما الأدبية تجبرك على التأثر والتورط بمشاعرك وأحاسيسك مع تلك الأحداث والمواقف، إلا أنك لن تعتلي المسرح لتفوز بدور البطولة، لأن هذا الدور من حق صاحب الموهبة الحقيقة فقط.
هذه الدراما الأدبية لا تختلف كثيراً عن مثيلتها الثورية، فرياح الثورة التي هبت بسرعة قياسية على الوطن العربي، لتترك المواطن ليس متفرجاً أو مذهولاً فقط، بل تجبره على اعتلاء مسرح الحرية والفوز بدور البطولة على اعتبار أن الثورات الجديدة صناعة شبابية بحتة، فليس هناك بطل واحد، بل "في الكل تكمن البطولة".
وتاريخنا الإنساني حافل بأسماء كثيرة لقادة وثوار، فثورة "أحمد عرابي" و"سعد زغلول" وثورة يوليو بقيادة "عبدالناصر" والضباط الأحرار، والثورة الكوبية بقيادة "كاسترو" والهندية مع "غاندي" ولا ينسى التاريخ أيضاً "مانديلا" ونضاله في جنوب إفريقيا.
وهكذا عبر التاريخ يلتقي البسطاء المظلومون حول قائد كرس نفسه من أجل قضية بلغ عمق إيمانه بها ودرجة إخلاصه لها حداً يجعله يضحى بروحه رخيصة في سبيل ألا يحيد عن كلمة الحق التي نطق بها.
واليوم المشهد العربي يقدم نصاً جاهزاً ودروساً قيمة في الحرية والكرامة، والكل قد تبنى هنا دور البطولة وأينما وجدت النفوس الحرة اعلم بأن الكراسي ستتهاوى تباعاً، فأربعة كراسي قد تهاوت والبقية تأتي في الطريق.
في النموذجين التونسي والمصري مع الآخذ بعين الاعتبار موقف الجيش في كلتا الدولتين، نجد في النموذج الأول أن الرئيس قدم الحل لشعبه بالهروب الفوري ليصبح "زين الهاربين"، تاركاً الكرسي ورائه بعد ما فهم أخيراً الموضوع وبذلك "كفى الله المؤمنين شر القتال"، والكرسي المصري عاند كثيراً وناور أكثر، حاول التمسك، لكن قرر الإفلات، لأن الضغط كان قوياً وصوت الشعب أقوى من صوت الحاكم، كما أن نجاح الثورة المصرية ضمان لنجاح كل الثورات المجاورة ولابد من عودة مصر بعد غياب طويل للعب دور البطولة في قيادة الوطن العربي بموجهة العدو الإسرائيلي والأميركي.
ولأن السلطة المطلقة هي "عدو الشعب" انتفض الشعبان الليبي واليمني وبسرعة قياسية لا تترك للمشاهد العربي دقيقة واحدة للتنفس والهدوء واستيعاب ما حدث قبل قليل في مصر وتونس، ليطفوا على السطح نموذجين مميزين في شدة الكره والاستعباد للشعب والتشبث الغريب بالكرسي والنرجسية لاسياسية الفريدة، فالعقيد الليبي جعل بلاده ناراً حمراء وجمراً مثلما توعد شعبه والمشير اليمني يلعب آخر أدواره على مسرح الوطن بكونه اليوم "مفتي الديار"، الذي يشدد على حرمة الاختلاط وهو بذلك يرمي آخر حباله التي ستنقطع عنه قريباً، ليدق بذلك على الوتر الديني لحساسيته في المجتمع اليمني وهو لديه خبرة واسعة جداً في هذا المجال بالذات، ونحن جميعاً في ترقب للحلقة الأخيرة التي تتعلق بها آمال عظيمة ومصير أمة بأكملها.
فمن سيقدم السيناريو الأخير لهذا الشعب الثائر الذي اكتظت به الساحات، فالكرة الآن في ملعب الرئيس، لينجو بجلده، رغم أن محاكمة "مبارك وأبنائه وأركان نظامه"، بل وحل الحزب الوطني بأكمله يعطي بصيص أمل في تطبيق القانون في بلاد غيبت عنها سلطة النظام والقانون، فهل سنشهد محاكمة مماثلة كمصر؟، هل تبدو مستحيلة؟.
لكن الشعوب حين تنتفض لا تعرف المستحيل، وسيرتفع السقف حتى يلامس أقصى درجات السماء، والثوار عليهم ساعتها ألا يتنازلوا عن أهداف ثورتهم وألا تغريهم الكراسي حتى لا يلتصقوا بها مجدداً وسيصبح الحال حينها "كأنك يا بوزيد ما غزيت".
شيماء صالح باسيد
خواطر ثورية "2" 1915