منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه والأحداث تتسارع على الأمة الإسلامية.. يتعاظم حجمها وتتسع مساحتها ، يغذيها واقع بئيس، وينعشها أمل في مستقبل أفضل .
فالمتأمل في صفحات التاريخ منذ انكسار باب الفتن باستشهاد سيدنا عمر رضي الله عنه سيجد ذلك جلياً وستتضح له حركة التغيير التي قادها المناهضون لسياسة سيدنا عثمان عقب توليه مقاليد الحكم ، حيث عمد أولئك المناهضون إلى استدعاء العصبيات والثارات الجاهليّة وتوسيع رقعة الاحتجاجات التي أدت إلى ثورة شارك فيها الأغنياء والفقراء، السّاخطون بلا حقد والحاقدون من عِليْة القوم ؛ ليقتل على إثرها ذو النورين وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت مزاعم تصحيح الأوضاع السّياسيّة والإداريّة والاقتصادية في مجتمع إسلامي يتطلّع فيه آنذاك الكثير ممن اعتنقوا الإسلام بلهفة إلى تغييرات تحقق آمالهم ؛ حالهم كحال المتعطشين للجهاد الذين أجبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج في غزوة أحد .
كما هو حال الإمام/ علي كرم الله وجهه الذي لم يسلم هو الآخر من المعارضين والمناهضين لسياسته الذين دفعوه نحو ذاك المسار الدّامي في مواجهة واقعه الحافل بالتناقضات والتباينات.. مخاطباً إياهم "واللّه ما كانت لي في الخِلافةِ رغبة، ولا في الولايةِ إربة، ولكِنَّكُم دعوتُمُوني إليها، وحملتُمُوني عليها.. بسطتُم يدي فكففتُها، ومددتُمُوها فقبضتُها؛ ثُمَّ تداكُكتُم عليَّ تَداكَّ الإبلِ الهيم على حِياضِها يوم وردِها، حتَّى انقطعتِ النَّعلُ، وسقط الرِّداءُ، ووُطئ الضَّعِيفُ، وبلغَ مِن سُرُور النَّاسِ ببيعتهم إيَّاي أن ابتهج بها الصَّغيرُ، وهدج إليها الكبيرُ وتحامل نحوها العليلُ، وحسرت إليها الكِعابُ".
فقبل كرم الله وجهه الخلافة على مضض وبرر لهم ذلك بقوله: "ولكننَّي آسى أن يلي أمر هذه الأمّةِ سُفهاؤُها وفُجَّارُها، فيتّخِذُوا مال اللّه دُولاً وعِبادَهُ خولاً والصّالحينَ حرباً، والفاسقينَ حزباً".. إلا أن مصيره لم يكن أقل شأناً من سابقيه .
بعدها دخل المسلمون منعطفاً تاريخياً خطيراً طفت على السطح فيه العديد من القيم الجاهلية من عصبيات وثارات وغيرها وصارت نار الثّورة تحرق كلّ شيء، وتهدم كلّ شيء، تستلهم حقّ الناس ومرارات الجماهير الغاضبة، المترعة قلوبها بآمال التّغيير والضاغطة في منحى التّغيير دون أن تقدّر ظروف المرحلة ، فكلما هدأ مجتمع عاد الغليان إلى آخر، وعادت معه حالة الاضطرابات المحمومة وانفجرت المجتمعات الإسلامية من الدّاخل لتتسع الاحتجاجات، فتسقط الدولة الأموية التي أسسها المعارض معاوية رضي الله عنه على يد معارض المعارض/ محمد بن العباس – مؤسس الدولة العباسية التي لم تسلم هي الأخرى من السقوط بعد أن وصلت رقعة الإحتجاحات لتشمل حواضر الدّولة كلّها وتؤدي في النّهاية إلى العاقبة الوخيمة والمرّة بسقوط الخلافة العثمانية التي قامت على أنقاض الخلافة العباسية على يد مفتي أسطنبول الذي عمد إليه قائد التغيير الثائر/ مصطفى كمال أتاتورك ومن ورائه هرتزل ويهود الدونما لاستصدار فتوى تقضي بعدم صلاحية السلطان عبدالحميد للحكم بعد أن عجزوا عن إقصاءه ليتقاسموا تركة الرجل المريض بعد ألف وأربعمائة سنة امتحن ومحص خلالها مالك الملك وصاحب الملكوت كلاً من الحاكم والمعارض داخل البيت الإسلامي ليجعلنا أمام حقيقة قرآنية لا ثاني لها "إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
وهكذا صار تاريخ الأمّة الإسلاميّة حافلاً بالأهوال والمآسي، وبكلّ ما فيه من ظلام ودماء، وتمزقات وانهيارات، تتخللها هنا وهناك في بعض الأحيان لمعات نور وحالات سلام عارضة، مع أحلام مضيئة ملهمة، وخيبات أمل قاسية ظل المسلمون يواجهونها من غير حدس يضيئ لهم الطريق أو عقل مستوعب لحركة التاريخ وآليتها، تارة يسعدون بنشوة النصر وتارة أخرى يشلّهم اليأس والإحباط ، لتعود إلى قلوبهم من جديد جذوة الرغبة في التغيير نحو مستقبل أفضل.
ولكن ذلك التغيير لن يكون تاريخاً ما لم يرم بكافة الأحقاد والشّهوات والقيم الجاهلية البائدة العائدة خلف ظهره وعدم الخوض في أيّ شأن يزيد الوضع سوءاً بإثارة العصبيّات أياً كان لونها "حزبية أو فئوية أو قبلية أو عشائرية أو مذهبية" وغيرها، فلا يكفي لحركة التغيير الإتكاء على الآمال المشرقة , بل لا بد من ترجمتها حقيقة لا شعاراً وسلوكاً لا ارتجالاً كي تتمكن من شق طريقها نحو حياة إنسانية كريمة تحدوها رؤية واحدة أو رؤى متقاربة تلتقي على التّغيير إلى الأفضل.. حينئذٍ تتعاظم الحركة ويعلو شأنها لتلد الأحداث الكبيرة، وتدخل معها المجتمعات حياة حافلة بالخير الإنساني والعطاء الرباني.
ومضة:
أهالوا عليك تراب في كفك النور يروي
الضياع الأمل
ولفَوك في غفلة من كفنْ تعاني.. تواجه كل المحن
أتيت من الصحو نحو المنام تذود... تصون بقايا وطن
ليرحل عنا بريق العفنْ ليرحل عنا بريق العفن
Yonis210@hotmail.com
يونس الشجاع
ولنا في التاريخ عبرة!! 2090