المسيرات المليونية التي خرجت في صنعاء وعدن وتعز والحديدة و المكلا و إب و صعدة والعديد من المحافظات اليمنية الأخرى يوم الاثنين 11/4/2011م ، كانت بمثابة الرد الفعلي على المبادرة التي أعلنها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بخصوص اليمن، التي وبالإضافة إلى تأخرها فإنها قد جاءت دون الحد المأمول منها من قبل الشعب اليمني الذي خرج منذ أكثر من شهرين إلى الساحات والميادين للمطالبة بإسقاط نظام علي عبد الله صالح الذي حكم اليمن لثلث قرن، تحولت خلالها اليمن إلى واحدة من أكثر دول العالم فقرا وأصبح أكثر من نصف اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر مع نسبة أمية تتعدى 70% - حسب بعض التقارير المتخصصة.
ومما زاد الطين بله ارتباط اسم اليمن خلال العشر السنوات الأخيرة بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وارتباط اسم اليمن كذلك بأمور أخرى محرمة دولياً كتهريب الأطفال والاتجار بهم ، والزواج السياحي ، وظهور حالات رق لا تزال موجودة في اليمن في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة ، يضاف إلى كل ما سبق فساد مالي وإداري مستشري في كافة أجهزة الدولة ومرافقها ، استخدم علي عبد الله صالح خلال فترة حكمه أسلوب الإدارة بالأزمات للحفاظ على استمراريته في الحكم وتمرير موضوع توريث الحكم والذي بدأ الترويج له خلال السنوات الأخيرة في كتابات بعض الأشخاص ، خاصة على صفحات صحيفة 26سبتمبر الرسمية ، وفي ظل إرهاق الأزمات المتتالية والجرع الاقتصادية للمواطن اليمني بدا الكثير من اليمنيين وكأن موضوع تأبيد السلطة في شخص الرئيس أو توريثها أمر لا يعنيهم وأصبح شغلهم الشاغل هو البحث عن مصادر دخل إضافية تعينهم على مواجهة تكاليف المعيشة المتصاعدة يوميا .
وكما أنشغل المواطن البسيط بأمور معيشته البسيطة ، تمكن النظام من جر الأحزاب السياسة الرئيسية الممثلة في تجمع اللقاء المشترك إلى حوار لا تنتهي فصوله ، ولا يعرف له أول من أخر، يتوقف في كل مرة، ثم يعود ليبدأ ليس من حيث توقف وإنما من حيث بدأ ، ليستمر الحال على ما هو عليه مع عدم إمكانية المتضرر اللجوء إلى القضاء، فالنظام هو الخصم وهو الحكم .
مع بدايات العام الحالي أتت ثورتا تونس ومصر لتحييان الأمل عند اليمنيين ولتبعثان حقيقة كانت قد أندفنت في نفوس الكثيرين وهي أن الشعب أبقى من حاكمه ، وتحققت معمها نبوءة الشاعر الجميل أبو القاسم الشابي الذي توفي في ريعان شبابه بعد أن سطر كلماته الرائعة
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولا بد للقيد أن ينكسر
هذه الكلمات التي أصبحت بمثابة نشيد الثورات العربية في كل الأقطار .
خرج الشعب اليمني بكل فئاته العمرية وأطيافه الاجتماعية وألوانه السياسية ومذاهبه الدينية تتقدمهم المرأة اليمنية التي كان حضورها طاغيا ورائعا ، خرج الجميع ليقولون نحن هنا ، وبرغم كل الأزمات التي أدخلتنا فيها نحن أقوى منك يا صالح ، لن تحكمنا بعد اليوم ولن تورثنا لأبنك .
رسم اليمنيون في الساحات لوحة فنية رائعة حققوا فيها أروع معاني الوحدة الوطنية التي أفقدهم صالح إياها خلال سنوات حكمه ، وقدموا صورة رائعة من الرقي والتحضر والمدنية حتى أصبحت الساحات جزءاً من حياتهم اليومية، وبرغم كل محاولات النظام جر الثورة إلى مربع العنف إلا أن الشعب اليمني أحبط كل محاولاته وحافظ على سلمية ثورته وبشهادة الكثير من المراقبين فان الشعب اليمني قد تفوق على صالح ونظامه.
وأمام شعار سلمية......سلمية تساقطت أوراق صالح الواحدة تلو الأخرى، ابتداءً بالجيش والحرب الأهلية والقاعدة والانفصال والحوثيون و...و...الخ .
وكما تخلى عن صالح الكثير من أركان نظامه داخليا ، بدأت أبرز القوى إقليمية والدولية التي دعمت صالح طوال فترة حكمه في التخلي عنه حتى وصل الأمر إلى الطلب الأمريكي صراحة من صالح التنحي عن الحكم ، وخرجت دول الخليج بمبادرة تضمنت تنحيه عن الحكم ليتحول مضمونها بعد إيفاد صالح وزير خارجيته ومدير مكتبه إلى السعودية ليتغير مضمون المبادرة من تنحي ورحيل إلى تنازل عن سلطاته إلى نائبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة المعارضة ، يحاول صالح استغلالها لإطالة الوقت عن طريق اشتراط استباق المبادرة بحوار معمق قد يطول لأشهر وربما لسنوات يعتقد معها صالح ومستشاروه أنها ستكون كفيلة بإنهاك من هم في الساحات وعودتهم إلى منازلهم ولكن رد الساحات جاء سريعاً ومعبراً بمسيرات مليونية أذهلت الجميع، رفضت أي مبادرة دون سقف الرحيل الفوري وبدون أي ضمانات ودحضت مزاعم صالح ومن تبقى من نظامه عن الأغلبية والشرعية الدستورية التي أصبح الحديث عنها بعد اليوم شيئاً من السفه ، وأحرقت معها ورقة الوقت التي حاولوا المراهنة عليها ، ليكون التساؤل الذي يطرحه الكثيرون الآن هو.. ماذا تبقى لصالح ومن معه بعد كل هذا!.
بليغ المخلافي
ماذا تبقى للرئيس؟ 2278