مسكين هذا الدستور اليمني يحملونه أحياناً ويرمونه في الزبالة أحياناً أخرى، بل إنهم قد ذبحوه من سنين ولم يعد هو الفيصل في نهج الدولة اليمنية، فقد تجاوزوه في كثير من مناحي الحياة وكانوا يعملون وفق هواهم ومصالحهم الشخصية ومصالح حزبهم الحاكم وقد فصلوا كل مناهج الحياة على مقاس حزبهم الحاكم وقياداته وعلى إثر ذلك أدخلوا البلاد والعباد في نكبات لا حصر لها وانقسموا في الفساد حتى الذقون وذلك بنهب الثروات وافتعال الأزمات وتكميم الأفواه واللعب بالمال العام والسيطرة على الإعلام الرسمي وقمع الحريات وملئ السجون بالسياسيين وأصحاب الرأي.
وأحكموا قبضتهم بيد حديدية قمعية على كل مفاصل الحياة وحولوا كل الألوان الوردية إلى سوداء دون خوف من الله أو رادع من ضمير أو احترام لهذا الدستور الذي يتغنون به اليوم وحنثوا باليمين الذي أقسموا عليه لمرات ومرات وكان هذا اليمين عبارة عن شركة مملوكة للمؤتمر الشعبي العام والشعب اليمني بكل فئاته وقواه عبارة عن موظفين لديهم يتصرفون به كما يشاؤون دون الرجوع إلى الدستور والقوانين النافذة وقد فشلوا في كل شيء، مما أوصل البلاد إلى ماهي عليه الآن من تمزق وشتات وانقسامات وانشقاقات وقد رأينا وفي السنة الأولى من عمر الوحدة اليمنية انحراف النظام عن مبادئ وقيم والقوانين المتفق عليها من دستور الوحدة وبدأ بالتصفيات الجسدية لمن كان يعتقد أنهم سيكونون حجر عثرة لتحقيق مأربه الشخصية وظل يعاند ويتمرس ويعلن دون الرجوع إلى الدستور والقانون وكما رأينا ومن خلال الأزمة السياسية بين المؤتمر الشعبي وبعض القوى السياسية الأخرى انشقاق وثيقة العهد والاتفاق والتي وقعت عليها كل الأطراف السياسية على الساحة اليمنية في الأردن أمام الملك حسين وبعد الرجوع من الأردن عاد النظام إلى غيه وكبره وعناده وألقى بوثيقة العهد والاتفاق في سلة المهملات المحافظات الجنوبية في صيف 1994م والتي كلفت اليمن خسائر باهظة في الأرواح والممتلكات، مهيمناً ومتربعاً على صدور الشعب ولم يشفع للمواطنين تضحياتهم الجسيمة في سبيل الوحدة من خلال تقديمهم كل شيء، حيث تنازلوا عن الأرض والثروة والعاصمة وكرسي الرئاسة والعملة وكان جزاؤهم الحرب والطرد من البلاد، كما لم يسلم أبناء المحافظات الشمالية أيضاً من الممارسات التعسفية والدس على الدستور والقانون وافتعال الأزمات أيضاً، فقد قام خلال الأعوام الماضية ستة حروب على محافظة صعدة ولم يكتفِ بإقحام الجيش اليمني في الحرب ضد أبناء محافظة صعدة، بل وأقحم أخواننا في المملكة العربية السعودية في تلك الحرب وقد رأيناه كذلك يشن حرباً ضروساً على كثير من مديريات اليمن مستخدماً القوة المفرطة وحتى الطيران الحربي، كما رأينا في بعض مديريات الضالع وردفان وأبين، بل وقد تجرأ لما هو أكثر من ذلك وطلب الأمريكان بقصف بعض مديريات أبين وشبوة ومأرب، فماذا بقي من دستور الجمهورية اليمنية أمام تلك الفضائح التي يندى لها الجبين وعن أي شرعية يتحدثون؟
والآن وخلال الشهرين الماضيين عندما خرج الشعب اليمني قاطباً ينادي برحيل هذا النظام نراه لا يتردد في قمع الشعب مستخدماً كافة أنواع الأسلحة وحتى الغازات السامة وسقط على إثرها مئات من الشهداء في عموم محافظات اليمن بما فيهم أطفال في سن الورود وكان نتيجتها انشقاق كثير من الشرفاء في القيادات العسكرية والسياسية والمدنية والتشريعية وبذلك قد احترقت كل الكروت التي كان يحاول اللعب عليها ولم يتبق له سوى الاستعانة بدول مجلس التعاون الخليجي لإنقاذه بمبادرة قد تبقيه على العرش لفترة أخرى من الزمن ولكن ولأن أخواننا الأعزاء قادة مجلس التعاون الخليجي حكماء ويدركون معاناة الشعب اليمني طوال ثلاثة وثلاثين عاماً وعلمهم أنه لا خير في هذه القيادة السياسية، لذلك جاءت المبادرة الخليجية مخيبة لأمال الرئيس علي عبدالله صالح عندما طلبت منه الرحيل وتسليم السلطة لنائبه وبذلك أحترق كرته والرهان على الخارج ونراه الآن يدعي الأغلبية الشعبية وهذا تخبط آخر ورهان خاسر يحاول التشبث به، لأن الكل يعلم بالطريقة التي يخرج بها المؤيدون للرئيس وهنا لابد من القول أن الأمور لا تقاس بالأقلية أو الأغلبية، بل تقاس هنا بالحجة الدامغة، فالشعب اليمني اليوم قاطباً من أقصاه إلى أقصاه يحمل الحجة الدامغة والأدلة البالغة على جرمه وفساده وعبثه وقتله للدستور والقانون وأي منصف وأي عاقل عندما يستعرض حتى جزء مما ذكرنا أعلاه سيحكم على هذا النظام بالإعداد.. فعن أي دستور وعن أي شرعية يتحدثون؟؟
فما عليكم إلا أن ترحلوا.
سعيد ناصر بن فريد
عن أي دستور وشرعية يتحدثون؟! 1996