البيت الذي يأوي إليه الإنسان بعد عناء يوم طويل من محاولة العيش بشرف، لا يمتلكه إلا أصحاب العملة أو الذين يرثون الأميال الشاسعة من الأراضي الواقعة ضمن الخطط العملاقة التي يجهل رموزها العامة ويعلم ذراتها الخاصة.
أما المستأجرون يعيشون أيامهم تحت المجهر، ملاحقون كأفراد الاستخبارات، متخفون مثل رجال المافيا، يحتار أحدهم في خميسه الأخير من كل شهر بأن يسامر زوجته، أم يشتري وجبة لذيذة لأطفاله، أم يغير بنطاله الذي ألغت ملامحه ساعات الكد والشقاء، أم يسير مغمض العينين ليمنح المالك كل ما يملك ويعود إلى أطفاله ذلك الـ"بابا" المغلس الذي يحبه الجميع رغماً عنهم.
أملاك العقار يسرفون في استخدام سلطة الحق المشروعة أصلاً،لكن المشكلة أنهم يتعاملون مع البشر وكأنهم جزءاً من الملك في بعض الأحيان، وأشياء لأثمن لها أحياناً أخرى.. رأيت ذلك مع أحد الجيران الذي كان في محافظة أخرى لغرض كسب الرزق وتحسين حاله المعيشي، لم يحترم ا لمالك عدم وجود الأب وقام بإغلاق المنزل من الخارج على من فيه من النساء والأطفال، هذا بعد أن كان قد استنفذ كل الألفاظ القبيحة التي يمكن أن تقال في مجتمعنا كقصيدة وطنية نسمعها كل صباح!، فقط لتأخر الإيجار أسبوع واحد عن موعده، لا يهم ما حدث بعد هذا، فأنا أحاول التركيز فقط على الجانب الأخلاقي لأصحاب العقار، فعلى هؤلاء أن يتذكروا قصة أصحاب الجنة التي ترويها بالتفصيل سورة القلم والتي أسماها رب العزة قصة "أصحاب الجنة" ومما لا شك فيه أنه مهما بلغ جمال العقار وفخامته لن يبلغ روعة الجنة التي جعلها الله فيما بعد مجرد رماد، فقط لأن أصحابها استثنوا منها نصيب المساكين وأيضاً قصة الجنة المحفوفة بالنخيل والأعناب المذكورة في سورة الكهف والتي أهلكها الله بالصاعقة بسبب الخيلاء والكبر التي أصابت صاحبها ولم يعترف بنعمة الله عليه، بل جابه صاحبه الفقير بأن هذه النعمة لن تزول أبداً وأنه أفضل منه مالاً وولداً.
الجدير بالذكر أن أصحاب الجنة في سورة القلم هم من اليمن وجنتهم المحروقة موجودة إلى اليوم هنا في اليمن والذين تسنت لهم ا لفرص وزاروا موقع الجنة تلك تحدثوا عن القدرة العظيمة في كيفية حرق المحصول إذ تعمق إلى كيلومترات كثيرة تحت الأرض ومازالت خراباً إلى يومنا هذا، لم أريد أن أضغط على زر العزة بالإثم لدى هؤلاء البشر المتعبين، نعم متعبون أكثر من الفقراء الذين لا يمتلكون قوت يومهم، هل تدرون لماذا، لأنهم سيحاسبون طويلاً بين يدي الجليل عن ذلك المال والذهب والعقار الذي يستخدمونه للتجبر على الآخرين، فالمسألة بسيطة جداً في ميزان الآخرة "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" والمقصود بالكفر هنا جحود النعم والتكبر بها على الضعفاء، وإذاً فالشكر ليس معناه فقط أن تحمد الله بطريقة لغوية فارغة من الاعتقاد، بإن شكرك للنعم يتوجب الحرص على رعايتها من الجحود وإفراغ التواضع إلى جوار ذلك والبقاء دائماً بين كفتي الخوف والرجاء من الله وإليه.
وأما ما يفعله الكثير من الملاك اليوم من استغلال لضعف الناس وحاجتهم وقسم ظهورهم بمبالغ باهضة لا يستطيعون دفعها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العالم بأسره، فإنها رسالة عميقة المضمون أتمنى أن يفهمها هؤلاء البشر، فالحياة قد تعطي الكثير لكنها دائماً تأخذ الأكثر الذي نتمنى الحصول عليه، علينا أن نفكر بجدية حيال أخلاقياتنا التي تصبغت بالمادة، فأصبحنا رأسماليين صغار ًتماماً مثل أسمال البحر يبتلع الأكبر قليلاً من هو أصغر منه، لكن لغة البحر لا تنطبق على البشر، فنحن لسنا أسماك قرش ضارية تعبر المحيطات بقوة لتصل إلى بطن الموت ولو بعد حين.
نحن بشر أصحاب رسالة، لنا دين واضح وصاحب هذا الدين الذي أرسل به رحمة للعالمين علمنا أن نكون كالبنيان يشد بعضنا بعضاً، أنا أدعوكم لتتأملوا في حال القرون السابقة، لم يبقى منها أحد وكانت أموالهم أكثر وقوتهم أشد وعزتهم أكبر، ولم يحملوا مما صنعوا شيئاً، لم توارى أجسادهم في قبور من الرخام ولم يتوسدوا سبائك الذهب ولم يكفنوا بالديباج.
وأصبحوا في مقام لا ينفع فيه مال ولا ولد، أحسنوا إلى سواكم عمن اختارهم الله فقراء ليشرفكم بالعطاء لهم، وجعلهم ضعفاء ليرفعكم بقوتكم إن أحسنتم إليهم، ألم يكن الله قادراً على عطائهم وحرمانكم؟!، بلى هو على كل شيء قدير، لكن أن جعلكم الله أصحاب يدٍ عليا لتكونوا أخير، ألا تحبون ذلك؟! تعلموا فن الشكر لتحصلوا على منَّة العطاء، وتحلوا بصبغة الصبر لتمنحوا معية الله، أو ليس الله مع الصابرين؟! وإذا سألتم فيم نصبر؟ أقول لكم أصبروا أن تتأخر حقوقكم لدى البشر، فذلك خير من الصبر أربعين ألف سنة بين يدي الجبار.
ألطاف الأهدل
بيوتٌ للإيجار 2124