كلنا يخشى من أن تكون مذبحة جمعة الكرامة ليست كافية لدى البعض كي يضع حداً لإراقة الدماء ويتقي الله, ألهذا الحد نكون ساذجين أو سطحيين أو منافقين أو متآمرين أو مجرمين أن تنتزع منا بشاعة مجزرة جمعة الكرامة انفعال ساعتين أو يومين أو أسبوعين فقط ثم يعود كل منا إلى ليلاه وكأن شيئاً لم يحدث حتى نفاجأ مرة أخرى أننا نتواطأ أو نشرع لجريمة أبشع في عدد ضحاياها وصورة أشنع في قسوة التنفيذ على رؤوس وصدور شباب عراة حفاة؟؟.
جريمة كهذه يجب أن يتبرأ منها الصادقون مع الله وأنفسهم بالاصطفاف حتى نكتشف الضالعين فيها وإذا لم يحدث ذلك اعذروني حين أقول إنها والله لم تعد عبادة مصالح دنيوية وإنما هي سفالة ونذالة وتبعية رخيصة الثمن حين تتجاوز شيطنة أعمالنا الغش والنفاق وقول الزور والتحايل والتضليل والسرقة والنهب وغيرها من المفردات المحرمة إلى السكوت أو التواطؤ أو المشاركة ليس فقط في قتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق وإنما أنفساً، بل هي مجزرة بشعة بما تعني الكلمة من معنى، جسدته فعلياً قسوة التنفيذ حصدت 54 شهيدا وأكثر من 600 جريح, كل ما اقترفوه أنهم باحوا بأنينهم على الملأ.
أيعقل أن يكون بيننا من أصبحت قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة إن لم تكن ميتة لم تعد تحرك مثل هذه الجرائم والفظائع أي شيء فيهم بفعل عامل الخبرة والتجارب والمصالح وهؤلاء مصدر خطر على أمن الوطن والمواطن.
لكن هذا الوطن يتأمل خيراً في أولئك الذين ليس فقط لم تتلطخ أياديهم بالدماء وهم كثر، بل إن فيهم من لديه الشجاعة في أن يغادر سوق المصالح إذا ما أصبحت بضاعته تروج لارتكاب جرائم القتل، فالوطن ينتظر منهم قبل غيرهم وقفة إنسانية شجاعة على مستوى كل مؤسسات الدولة ليس للاستقالة إن كانت فوق طاقتهم وإنما على الأقل وهذا أضعف الإيمان أن يجمدوا نشاطهم الحزبي والرسمي حتى يقدم للعدالة آخر متورط في هذه الجريمة النكراء براءة للذمة وإلا فإنهم مشاركون بطريقة أو بأخرى فيما ستؤول إليه الأحداث فيما بعد.
لست من هواة متابعة حلقات مسلسل ما يسمى بمجلس النواب لاحتوائه على مشاهد مخلة بآداب الانتماء للصالح العام, ومحرضة على ارتكاب جرائم انتهاك أعراض ثقافة الشجاعة والصدق والنزاهة, لا يمكن استيعاب هذا الكم من المغالطات التي لا تحترم مشاعر شعب كامل ينعي كوكبة من شهداء جمعة الكرامة في ساحة التغيير حينما انتظر منهم دوراً وطنياً مشرفاً يرتقي وحجم بشاعة المجزرة يدعو فيها إلى جلسة طارئة ويظل في انعقاد دائم لا ينفض حتى يرى كل المتورطين وقد نالوا جزائهم العادل فيما اقترفوه، كان هذا هو الفعل الطبيعي والمنتظر من مجلس الشعب في جريمة ارتكبت بحق الشعب.
نشعر بالأسف الشديد حينما لا تحرك مذبحة كهذه بركة مياه الغالبية الساحقة من المجلس فازدادت عفونة حين تطهر منها بعضهم وانحاز إلى شعبه، أما هذه الغالبية فاتضح أن خط مصالحها مفتوح الأفق لم تستطع حجب الرؤية عنه حتى بشاعة هذه الجريمة, ولهذا ظل المجلس ينظر إلى ما يجري وكأن الضحية شعب موزنبيق وليس ممثليه, وللسبب نفسه حضر وشرع لفرض حالة الطوارئ حتى وان استند لقانون شطري.
تابعت كغيري جلسة المجلس الأخيرة عبر فضائية اليمن وأقنعتني كالعادة أحداثها الديمقراطية من حيث عدالة توزيع الأدوار حسب مؤهل الطاعة وإمكانيات المصلحة وان كانت بعضها قد احتوت على جمل وعبارات متشابهة، إلا أن عامل الاجتهاد وبعضاً من جماليات الأداء الصوتي والحركي أضفى عليها لمسات غاية في المتعة الميلودراما ديمقراطية, عموماً كان عرضاً جيداً كالعادة، روعي فيه التأكيد مجدداً على جملة العوامل التي تنطلق من أسس ثابتة لا تنفصم عراها عن المغزى العام الملبي لطموحات وتطلعات الشعب في التنمية والديمقراطية التي سينعم بها بعد الانتهاء من التشطيب، فمنهم الصبر وعليهم الوفاء انطلاقاً من المثل الديمقراطي القائل في العجلة الندامة وفي التأني السلامة.
الجلسة اهتمت بتوجيه عتاب جماعي لأولئك الذين خرجوا عن بيت الطاعة الديمقراطي وأساءوا فهم متطلبات الديمقراطية والتنمية وأطلقوا لانفعالاتهم غير الديمقراطية العنان واستقالوا جراء المذبحة التي يرون أنها لا تتطلب أكثر من التبرم لفترة محددة حتى يستعدوا لحضور جلسة إقرار حالة الطوارئ ويصفقوا لانجاز ينقل البلد خطوات متقدمة نحو الديمقراطية والتنمية، يبيح تقييد الحريات والتحضير لمجازر أخرى.
لم يخل المشهد من وقفة تقطر شجاعة وطنية حينما أصروا جميعاً وعلى رأسهم أعضاء سابقون وحاليون في لجان إخفاء الحقائق, هم يسمونها في إعلامهم احتراماً للشعب لجان تقصي الحقائق, ما علينا المهم أنهم وللأمانة طالبوا بضرورة تقديم المتورطين في مذبحة جمعة الكرامة للعدالة، بل إن بعضهم أصر أن تكون فوراً وهناك من بالغ وطالب بمحاكمة علنية قالوا ذلك وتركوا التنفيذ للمجهول، أما نحن فلن نستغرب إذا ما وجهت الإدانة للشهداء الشباب بسبب وجودهم في صنعاء وهم من مناطق أخرى, تبريرات من هذا النوع وغيرها كثيرة مدونة في تقارير لجان إخفاء الحقائق لأحداث ليست بعيدة في المنصورة والمكلا وتعز والمعلا وغيرها، بالإضافة إلى تهريب قاتل الشهيد الدرويش من المعتقل في خورمكسر حسبي الله ونعم الوكيل اتقوا الله فيما تفعلون .
amodisalah@yahoo.com
صلاح محمد العمودي
الاستسلام لصوت الحكمة يجنب البلاد ما هو أفظع من مذبحة جمعة الكرامة 1912