إرب سلطوي:
على خلفية المتغيرات الدولية، "وإلباسها حقاً هو الباطل بعينه"، وسعّت السلطة من نطاق حروبها ضد مواطني العديد من المحافظات اليمنية، تحت يافظة مكافحة ما بات يسمى بالإرهاب الدولي.
وإذا كان الإرهاب مداناً بكل الشرائع السماوية والوضعية.. ويتطلب تظافر الجهود من أجل تجفيف منابعه وأرضياته، ومعالجة منابته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. واجتثاث شروره المدمرة للإنسان، المعادية لقيم الحياة.
إذا كان ذلك الإرهاب مداناً، فإن تجييش السلطة لمؤسساتها العسكرية والأمنية، واستنفار آلتها الحربية، وتوجيه نيران أسلحتها نحو صدور الأبرياء العزل.. يعد بكل المقاييس عملاً وحشياً لا يقل دموية وفضاضة وعدوانية عن الإرهاب نفسه، خاصة حين تحظئ الجيوش الرسمية "النظامية" وجهتها لأوكار الرموز الموسومة بالإرهاب وتتجه صوب المدن المأهولة بالسكان.. ويدفع ثمن هذا الجنون السلطوي الأطفال والنساء والشيوخ والحيوانات والمنازل كما حدث في مأرب والجوف وشبوة وصعدة وصنعاء وأبين والضالع وإن كانت الأخيرة ـ الضالع ـ بمسميات وغايات أخرى..
حينها فقط تكشف أو كشفت المرامي الكامنة وراء تجريد الحملات العسكرية ضد أبناء الوطن وحينها فقط تفصح أو أفصحت الوقائع اليومية عن زيف الادعاءات الرسمية، والحملات الغوغائية التي حاولت إلباس الضحايا لباس القتلة وتبراة ساحة مجرمي الحرب الحقيقيين.. من خلال رفع جرعات التعبئة السياسية والإعلامية المغلوطة.. ومحاولة قوننة جرائم انتهاك السلطة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب لا تقل فظاعة وجرماً عن تلك الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية، في أزمنة مختلفة من محطات التاريخ وفي أصقاع أخرى.. وما المجزرة الوحشية التي ارتكبتها السلطة بحق المعتصمين بساحة التغيير أمام جامعة صنعاء إلا تكريساً لهذه السياسة المقوننة لارتكاب الجرائم ضد الوطن والمواطن.
تحرير الحقيقة:
نحن لا نؤمم التاريخ، لا نصادر الحقيقة.. ولكننا نرفض بالمطلق التعدي والاجتراء عليهما بالتزوير والتزييف، نحن لا نرى في التاريخ "تابو" مقدساً نحرق له البخور ونتلو التعاويذ.. ونستنزل اللعنات على من يحاول الاقتراب من أحداثه، ووقائعه من طريق مختلف وبقراءات مغايرة للفهم الأحادي السائد، ولكننا كشعب لن نقبل بذبح التاريخ وصلبة تقرباً من عهد سياسي جديد.. ولأن التاريخ تصنعه الشعوب فمن حق ورثة هؤلاء الصناع امتلاك ناصية الحقيقة.. من حق هذا الجيل الذي يتعرض لمختلف تلاوين التتوية والخلط والاغتراب الوطني.. أن يعرف ماذا حدث صبيحة "26" سبتمبر و14 أكتوبر، من كتب الأول في سفر التاريخ.. من هي القوى التي صاغت فكر الثورة، وهندست خططها ونالت شرف الريادة في خوض معركة التحرر، أين نجحت الثورة وأين انتكست وغيرها الكثير من الأسئلة؟!.
تغييب مثل هذه الأسئلة وإضفاء صفة القدسية على محطات من التاريخ ربما تكون حقيقة وربما تكون مفتعلة.. يعد ذلك بكل المقاييس جريمة وفعلاً خيانياً يرتكب بحق الذاكرة الجماعية للشعب والوطن وانتهاكاً فجاً لحق المعرفة والاجتهاد، بعد أن خلطت الأوراق وتعددت البطولات الوهيمة، وصنفت حركات وأحداثاً ارتدادية أو فرعية هامشية في عداد الفعل التاريخي الأوحد، الذي يحتفي فيه إعلام كل سلطة على حدة، فيما أصبحت ثورة سبتمبر وأكتوبر ظلاً شاحباً في روزنامة الحكم المترعة بالمناسبات "العظيمة" وهنا تكمن أهمية التمسك الصادم بالحقيقة وتحريرها من كتبة السلطات المتعاقبة وإسكافييها الذين أشبعوا التاريخ "لزقاً" ورتقاً وتقطيعاً، ليتواءم مع هوى وهواجس كل عهد.
العبث بالناس:
للزمن حركة لا يدرك كنهها أحد، ولا يمكن إدراك مسار التطور التاريخي لكل شعوب وبلدان العالم سوى من يستطيع قراءة الأمور بعين العقل وبتسلح بوعي علمي رفيع.
وقد وصل التطور التكنولوجي إلى مرحلة يستطيع فيها سادة العالم "الكبار" برمجة مسار التطور في بعض أن لم نقل معظم البلدان المتخلفة النامية وتكييفها وفق ما يشاؤون، سواء بتسريعها أو إبطائها، ولكن الحياة والتطور نفسه لا يمكن أن تقبل بغير ما تفرضه تمليه الطبيعة البشرية والوجود، ولن يصل بعض الحاقدين إلى تدمير كل منجزات الشعوب وحضارتها الإنسانية ويعملون على عرقلة مسار نموها لمجرد أن العالم هو لعبة جنونية لا نهاية لها ولا قرار.
إن العبث بالناس وعدم النظر بتقدير كبير لحق الآخرين في إيجاد السبل التي يختارونها لحياتهم ونموهم وتطورهم يجب أن يتوقف، ولكن يتمكن أحد فرض هيمنته على الآخرين لمجرد أنه يمتلك القوى أو المال أو القدرة على قهر الناس.
ALhaimdi@gmail.com
محمد الحيمدي
دبابيس ...... 1660