;
محمد الحيمدي
محمد الحيمدي

مدارس أم سجون؟! 1577

2011-03-17 02:18:02


كلنا كأطفال الأمس، مازلنا نتذكر أن أكثر ما كان يشدنا للمدرسة هو الوجه الباسم، وأكثر ما كان ينفرنا من المدرسة هو الوجه العابس والعصا واللسان السليط الجارح، كنا نتعلق ونعشق مادة أي مدرس يتعامل معنا بروح الأبوة، سلاحه الصبر ويده الحنان وعصاه الشفقة.
وكانت تتراجع درجة الاستيعاب وتتسع درجة الكراهية لدينا لمادة أي مدرس يده تسبق لسانه ولسانه أعنف وأغلظ من عصاه، لتصبح علاقتنا معه تماماً كعلاقة السجين بسجانه وننتظر على شوق قرع الجرس نهاية الحصة لنتنفس أنفاس الراحة ونحن نراه ـ المدرس ـ يغادر قاعة الفصل.
المقدمة أعلاه أسوقها تمهيداً للدخول في القضية الأساسية لموضوعنا هذا المتمثل بأهمية وضرورة مراجعة أساليب وأدوات ومناهج وطرق تعامل المعلمين وإدارة المدرسة والوزارة المعنية مع الطلبة في مختلف مدارسنا، فالمدرسة هي بوابتنا للمستقبل وهي المختبر الذي على نتائج تفاعله يتوقف مصيرنا كأمة وكأفراد.
فقد تناقلت وسائل الإعلام ذات يوم انتحار طالب بسبب صعوبة المواد الدراسية وكثرة الواجبات المدرسية وعدم تسامح المدرسين، إضافة إلى طول ساعات المذاكرة المملة، قتل الطالب نفسه بعد أن ترك رسالة قصيرة بسيطة بخطوط مبعثرة وواهنة إلى والديه، يعتذر فيها عن فعلته تلك التي يتصور أنها ستكون اريح وأرحم به من عذاب الدراسة وقسوة المدرسين وملل المدرسة..
لم أستطع حتى هذه اللحظة من تخيل مقدار الهم الذي احتل صدر ذاك الطالب الصغير، وكمية المعاناة التي طاردته طوال ساعات عمره القصير.. لم أستطع الهروب من كلمات رسالة اعتذاره عن جريمة لا يعتبر هو المسؤول الأول عن ارتكابها، فهناك أطراف عدة هي التي يجب أن تفكر جيداً بالاعتذار لكل الطلبة وأولياء الأمور في عموم مدارسنا.
لقد بحت أصواتنا ونحن نطالب كل ا لمعنيين بالأمر بضرورة إيجاد فلسفة واضحة وغاية محددة للتعليم، باعتباره اسمى وأنبل المشاريع والممارسات حاضراً ومستقبلاً، يجب عدم التعامل مع مهنة التعليم كوظيفة حكومية مجردة، لا بد توافرها لكل طالب عمل.
فولي الأمر لا تسعه الأرض فرحاً وقلقاً في آن وهو يودع فلذة كبده لأول مرة إلى المدرسة، لو قلت له إن المدرسة قد تسببت لأبنك أو ابنتك عقدة أو مرضاً أو عاهة أو عجزاً أو قد تكون أحد عوامل فقده للحياة.. فإن الوالد سيخطف طفله أو طفلته ويهرب به أو بها بعيداً عن هكذا مدرسة، خاصة أنه حتى جحيم الأمية أرحم من مجرد تخيل عذاب أو فقدان طفل.. نعلم تماماً أن التعميم من الأساليب الخاطئة، كما نعلم تماماً بوجود مربين ومربيات على درجة رفيعة من النضج والعمل والخلق والحرص على أبنائهم الطلبة، كما نعلم بوجود مسؤولين يحاولون جاهدين لتطوير وخلق بيئة وعملية وتربوية وصحية، في مختلف مدارسنا، ولكن حادثة انتحار ذلك الطالب وظواهر الخوف أو الرعب المرضي من بعض المدرسين وألام تشوهات العمود الفقري من ثقل الحقيبة المدرسية، والتبول اللاارادي لدى العديد من أطفال المدارس الحكومية والتسرب والتهرب من المدارس.. كل هذه الظواهر وسواها تدفعنا للتحذير مراراً وتكراراً بضرورة مراجعة فلسفة وجود المدرسة في البلاد.. فالمدرسة يجب أن تكون مصدر متعة وفرح وفائدة وأمل للطالب، ويجب أن تكون بوابة واسعة وجميلة للدخول في حياة أرحب وأرقى.. ولن يتحصل ذلك إلا من خلال ثورة على أساليب ومناهج ومستوى التدريس في مدارسنا، التي أخذ بعضها يوماً بعد آخر بالتحول تدريجياً إلى ما يشبه السجن. والله من وراء القصد..
Alhaimdi@gmail.com

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد