تتصاعد الاحتجاجات في اليمن بوتيرة سريعة، ورغم أن الثورة في اليمن لم تحظ بتغطية إعلامية منصفة بسبب الثورة الدامية في ليبيا، إلا أنها لا تقل أهمية عما جرى في تونس ومصر وما يجري حاليا في ليبيا التي جذبت انتباه كل الصحفيين والفضائيات ووكالات الأنباء.
يمكن القول إن الثورة اليمنية "نبيلة وراقية وسلمية"، لكن النظام اليمني يحاول جر المحتجين من التظاهر السلمي إلى الصراع المسلح باستخدامه أدوات العنف والرصاص الحي، وقنابل الغاز، حيث أقدمت "جهات؟" على قصف المحتجين اليمنيين في ساحة التغيير بقنابل تسبب تشنج الأعصاب والارتعاش وعدم القدرة على التنفس والاختناق كما قال بعض الأطباء الذين عالجوا المصابين، مما أدى إلى إصابة ما بين ألف شخص على الأقل.
لكن أغرب ما في هذا المشهد أن أحد أركان الحزب الحاكم قال إن قوات الأمن لم تهاجم المحتجين وإن ما جرى كان اشتباكات بين المؤيدين للرئيس اليمني علي صالح والمعارضين له، وهذا النفي فيه إدانة كبيرة للسلطة، فمن يمتلك مثل هذه القنابل التي يفترض أن الحكومة تحتكرها؟ وهل يمتلك البلطجية الذين هاجموا المعتصمين في ساحة التغيير مثل هذه القنابل؟ وإذا كانت معهم فعلا من أين حصلوا عليها؟ وإذا لم يكونوا هم الذين أطلقوها فمن أطلقها إذن؟ وما هي طبيعة الغاز الذي تحتويه هذه القنابل؟
لا نريد إن نقفز إلى استنتاجات تقود إلى إصدار أحكام خاطئة، ولكن السلطات في اليمن مطالبة بتفسير حقيقة ما جرى ونقلته الفضائيات ووكالات الأنباء واليوتيوب والفيسبوك
وشهود العيان من أطباء عالجوا المصابين، وبطبيعة الحال فإن التحليلات المخبرية لعبوات هذه القنابل ستقود إلى الحقيقة بلا ريب.
النظام في اليمن ينزلق من خطأ إلى خطأ، ويستخدم إستراتيجية "القطارة" و "نقطة نقطة" في تقديم الحلول، وفي كل مرة يقدم عرضا يكون الوقت قد انتهى وفات أوانه.. فالرئيس الذي يطالب الشعب برحيله بدأ إستراتيجيته بالعناد الكامل ثم نصف عناد ثم ربع عناد، وهكذا، وهو عناد يشترك فيه علي صالح مع الرئيسين المخلوعين زين العابدين بن علي وحسني مبارك والعقيد القذافي، لكن الأول هرب والثاني، الذي وصف نفسه بأنه يحمل دكتوراه في العناد، تنحى، والثالث يخوض حربا دامية لن ينتصر فيها أبدا، ومصير "الرئيس العنيد" في اليمن لن يكون بدعا من القول، إذا استمر في سياسة أسلافه الرافضة للاستجابة للمطالب الشعبية.
المتظاهرون اليمنيون أعلنوا "مطالب الثورة الشبابية السبعة " لإنهاء الاحتجاجات وهي "رحيل صالح عن السلطة ورحيل أقربائه الذين يتولون قيادة الجيش والأمن وتشكيل مجلس انتقالي يضم أربعة مدنيين وممثل عن العسكريين، ثم تشكيل جمعية انتقالية تتولى إقرار دستور جديد للبلاد وفقا لنظام الحكم البرلماني، وبعد ذلك تشكيل حكومة انتقالية تتولى الإشراف على إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإقامة دولة مدنية ومحاكمة الضالعين في أحداث العنف وتعويضهم وتعويض أسرهم"، وهي مطالب أعلنوا أنها غير قابلة للمساومة،
وبالتالي فإن تأخر الرئيس اليمني عن الاستجابة لها سيعمق الأزمة أكثر في اليمن حتى لو استخدم كل ما يملكه من أسلحة.
إرادة الشعوب لا تقهر، ولا أحد في الدنيا يستطيع أن يعيد الجماهير إلى بيوتها إذا نزلت إلى الشوارع، ولا يوجد قوة في العالم تستطيع أن تلجم شعبا إذا اجتاز خط الدم، فعندما تسفك دماء الشعوب فإن ذلك يعني الانتقال من المفاضلة إلى المفاصلة، ومن الحل الوسط إلى حل "كل شيء أو لاشيء"، وما يجري في ليبيا أكبر دليل على ذلك.
نقلاً عن جريدة "الشرق" القطرية
سمير الحجاوي
يحدث في اليمن 2043