الدماء التي سالت في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء جاءت لتعبر عن الضيق بالاعتصامات التي ينظمها الشباب المطالبون بإسقاط النظام؛ فعدد القتلى والجرحى في الاعتداءات التي طالت المتظاهرين بعد صلاة فجر أمس يؤشر إلى أن قوات الأمن، ومن معها من أنصار الحزب الحاكم، لم تعد قادرة على "بلع" فكرة الاعتصامات المناهضة للسلطة، مع أن السلطة وأنصارها يرابطون منذ شهر في ساحة التحرير من دون أن يضايقهم أحد أو يشتكي سكان الأحياء القريبة منهم.
لا تبرير إطلاقاً لما جرى أمس؛ فكل الدلائل تؤكد أن عنفاً مفرطاً تم استخدامه من قبل قوات الأمن وأنصارها ضد أناس كفل لهم الدستور التعبير عن آرائهم بشكل قانوني، وقد كان ذلك واضحاً في التحريض الذي نقلته في وقت مبكر من فجر أمس "الفضائية اليمنية" من خلال أحاديث المواطنين الذين كان المذيع يحرضهم، بإيحاء غريب، على التهديد والوعيد ضد المتظاهرين وكأن شيئاً كان يعد له سلفاً.
العدد المهول للجرحى، الذي تجاوز المئات، دل على أن قوات الأمن كانت تتجهز لهكذا مهمة؛ مع أن الكثيرين كانوا يراهنون على ترجيح كفة العقل والتبصر على التفخيخ والتفجير؛ لكن الذي رأيناه أثبت أن "الصقور" في الحزب الحاكم، ومن معهم من أطراف هنا وهناك، أرادوا تفجير الوضع من الداخل ونسف كافة الجهود التي تعمل على حقن دماء الناس.
لقد كان منظر مئات الجرحى في شارع الدائري والشوارع المحيطة بجامعة صنعاء مؤلماً ومريعاً؛ فالدماء غطت الإسفلت، ووجد الأطباء صعوبة في نقل الجرحى إلى المستشفيات، الحكومية والخاصة، خارج المستشفى الميداني المخصص للمعتصمين في جامعة صنعاء، الذي وجد صعوبة في معالجة حالات الاختناق بالغازات المستخدمة لتفريق المتظاهرين، بالإضافة إلى معالجة الجرحى الذين أصيبوا بالرصاص الحي... كل ذلك يؤكد حقيقة اتجاه الوضع إلى كارثة حقيقية.
إن تحقيقاً شفافاً ومسؤولاً، وعلى أرفع مستوى، وعلى وجه السرعة، يجب أن يتم، لمساءلة المتسببين في إسالة الدماء في ساحة التغيير، وأن يقدم المسؤولون عن هذه الجرائم إلى القضاء، ومحاسبتهم، وأن يتم ذلك بشكل علني، ما لم فإن الأوضاع ستسير نحو التدهور، وسيدفع الجميع ثمن تهور وعدم تعقل بعض القيادات السياسية والأمنية، وعلى الجميع قطع الطريق على من يريد دفع البلد إلى الهاوية، حتى لا يأتي يوم لا ينفع فيه الندم.
سيكون من غير الحكمة التغاضي عن معالجة ما حدث، واعتباره أمراً يمكن أن يمر مرور الكرام؛ ذلك أن حجم الغضب مما حدث أمس يمكن أن يتسع في أكثر من منطقة في البلاد، وقد رأينا ذلك بوضوح، عندما خرج الناس للاحتجاج في تعز وعدن وغيرها من المناطق اليمنية، وهو ما سيجعل الفوضى أمراً واقعاً. إذاً لا بد من التعامل مع ما حدث أمس في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء باعتباره جريمة يجب معاقبة مرتكبيها أياً كانوا. والتأخر في هذه المعالجة سيزيد من تفاقم الأمر ويقطع على الجميع طريق العودة إلى السكة الصحيحة.
عن السياسية
صادق ناشر
سلوك مرفوض 1852