من أراد أن يؤرخ للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين فعليه أن يبدأ من هذا الواقع الجميل الذي فاجأنا وعقد ألسنتنا دهشة وفرحا ، كنا نتخوف من تعطيل هذه الطاقة التي تكتنز الاندفاع والحيوية وتحمل بيدها مفاتيح المستقبل ، ويبدو أننا لم نحسب لهذه الطاقة الحساب المطلوب ، لأننا تصورنا دائما أن حكمة الشيوخ هي الفيصل ، وأن على الشباب أن يتعلموا من هذه الحكمة حتى آخر الدهر.
علينا أن نعترف بأن هذا عصر التكنولوجيا الفائقة ، وهي المعلم المذهل الذي غلب كل الأساتذة والعبقريات ، فقد تنحت العائلة عن موقع الصدارة في تقديم المعرفة التقليدية ، وعجز الآباء والأمهات عن منافسة الانترنت ، واعترفت المؤسسات التعليمية على استحياء بأن التقنيات تسحب البساط من تحت أقدام المعلمين والمعلمات ، وهذا يعني أن المعرفة التقليدية تراجعت في مصادرها وحجمها المحدود أمام الأكوان المدهشة التي تنفتح على أذهان وعقول ووجدان الجيل الجديد ، وهذه المعرفة تضع بين أيدي المستخدمين كل شيء. وتجعل الأجيال الأكبر التي لا تتقن أعاجيب هذا العصر ، أمام كل الاحتمالات.. وهو ما تحقق أمامنا في الشهرين العجيبين في تونس ومصر وليبيا.. وجعلنا نحني الرؤوس للدماء الشابة التي غمرت أراضي الوطن العربي ، الذي عدنا نسمع فيه النغمة الحبيبة (الأرض بتتكلم عربي) وهي في الواقع تتكلم بصوت شاب يبعث على الفرح.
قرأنا في زمن ما أن الملك العجوز في مملكة الغاب انقلب عليه الأشبال ، وحكموا الغابة ، وقرروا التخلص من كل الحيوانات التي تعيش عهد الشيخوخة ، وفجأة داهم مملكة الشباب مرض غامض عجزوا عن تفسيره ، ووجدوا أنفسهم أمام معضلة حقيقية ، فندموا حيث لم ينفعهم الندم..، هذا ما تقوله حكمة ما قبل التكنولوجيا الفائقة ، ولا بد وأن اندفاع الشباب اليوم يجعلهم يضحكون وهم يقرأون هذه القصة المعبرة ، لأنهم أمام بحار من المعرفة التي تعطيها التكنولوجيا الفائقة ، لكن الحكمة الحقيقية لا يمكن أن يجدها الشاب في عالم الانترنت ، إنها في دفء الأب وحنان الأم ومحبة الجد والجدة.. وفي موروثنا الدافق مثل محيطات لا نهاية لكنوزها.
نفرح لكل ما يقوم به الشباب العربي الذين أصروا على أن يلعبوا الدور وأن يكون لهم الحضور في خريطة الأوطان ، لكننا نتمنى ألا يقتل الأشبال كل العناصر التي تعيش عهد الشيخوخة ، وقديما قال الأجداد (الدهن في العتاقي) ولكم ياأخواني الشباب وطننا العربي الكبير حبنا الذي لا حدود له ، والرحمة للأرواح الشابة التي سافرت إلى الخلود. واليوم يفتح الوطن العربي صفحة المستقبل على مصراعيها ، نعم على مصراعيها.
معتز إقبال
هذا زمن الشباب بامتياز !! 1703