أعلن الرئيس مبادرة جديدة تعد من حيث الهيكل لترتيب كيان الدولة وطبيعتها السياسية القادمة، محوراً هاماً يتجه باليمن نحو مرحلة جديدة لكونها ستطوي صفحات في التاريخ مليئة بمشاهد الانقلابات والاغتيالات من أجل السيطرة والتربع على كرسي الرئيس، ليعيش اليمن مرحلة جديدة يصبح فيها كرسي الرئيس رمزية تستكمل بها شكل الدولة من حيث السيادة والتمثيل الخارجي.. وبهذه المبادرة نجد أن مرحلة قد فتحت لليمن من خلال وضع مداميك النظام البرلماني الذي بات اليوم أمراً حتمياً سواء تم التعاطي مع مبادرة الرئيس أم لم يتم ذلك من قبل المعارضة كما أن النظام البرلماني أصبح واقعاً أيضاً سواء كان الرئيس جاداً فيما تضمنته مبادرته أم كان يبحث عن متنفس للضيق السياسي بالأزمة.. وفي كل الأحوال يجد اليمنيون اليوم دولتهم تتشكل برؤى حداثية هي ناتج معطيات فرضتها متغيرات المنطقة العربية انطلاقاً من تونس ومروراً بمصر التي كان الحدث فيها من حيث شكل الثورة التي أطاحت بأهم نموذج للديكتاتورية الاستبدادية والاقصائية والسالبة للهوية بشقيها السياسي والثقافي، لتفتح آفاقاً لمصر ما بعد الثورة ولتكون محور انطلاقة لإعادة تشكيل الأمة العربية، ولكون المتغير الحدثي بكل معطياته يدفع نحو التأثر بتسارع ألهب مشاعر الشعوب وحنينها للهوية العروبية والإسلامية وتاريخها المتأصل بالمجد، وبذلك فإن ما يحدث في اليمن هو أمر أصبح حتمياً لا يمكن لأحد كبح جماح تقدمه.. فاليمن اليوم تتشكل وفق معطيات صحوة الشعوب العربية، وهي بذلك - ومن خلال إرادة الجماهير المنتشرة في الساحات والميادين - لا تنتظر إذناً من الحاكم أو حزبه الحاكم أو إشارة التقدم، ولا هي أيضاً منتظرة من أحزاب المعارضة ان ترسم لها خارطة طريق، فولادة اليمن الجديد قد حان مخاضها، غير أن ثمة قوىً انتهازية أصبحت بحكم المتغير والمعطى والواقع والرؤى المتجددة جزءاً من الماضي وصفحة انطوت لا يمكن لها ان تتعايش مع ما هو تطلعي لإرادة الجماهير..
وهي – أي قوى الانتهازية - إن سعت إلى إبطاء عملية الولادة فإنها بذلك تفرض على المجتمع والجماهير ولادة قيصرية ستكون جراحها عميقة مؤلمة في نفوس أبناء المجتمع وأسطر التاريخ الذي سيطوي بصفحات سوداء حقبة تاريخية من الزمن عاشتها اليمن، أبت أن لا تترك أواصر حميمية بين الماضي والمستقبل.
وبذلك فإن سيل الجماهير بإرادته وتطلعاته نحو التغيير يجب ان تتعاطى معها رموز الحقبة السياسية باعتبارها فعلاً وأمراً واقعاً لا مناص من التسليم به سواء كانت طريقه سلسة أم كانت مليئة بالمنعرجات والمنعطفات كما هو حال ليبيا اليوم.
اليوم تطوي اليمن خيالات زمن حقبة التوريث والسلطة والاستبداد والأزمات والحرية المشروطة، وهي بذلك تفرض مبادراتها وتفرض إرادتها على كل مكونات الحياة السياسية لتطور نفسها وفق تطلعات اليمن وجماهيره التي باتت اليوم تضع أقدامها على أعتاب دولة المؤسسات التي كانت ومازالت أحلاماً تهفو إليها تلك الجماهير التي تفترش اليوم الأرض وتلتحف السماء، وتلك الجماهير لا يعنيها أن يكون هناك من لا يزال يوهم نفسه ان بمقدوره اليوم التربع على بروج السلطة حتى وإن كان تحت مسميات مختلفة تارة خارطة طريق وأخرى مبادرات وحلول لأزمة لا تعني الجماهير التي باتت تنظر إليهم باعتبارهم محطة لتوليد أزمات تجاوزها اليوم قطار التغيير وأضحت عاجزة عن مواكبته، فتلك الجماهير الظاهرة في تطلعات الشباب نحو إشراقة شمس جديدة على امتداد خارطة اليمن من المهرة مروراً بحضرموت وعدن وأبين وشبوة وتعز وإب، وصولاً إلى صنعاء وحجة وصعدة لتشكل لوحة وطنية ترتسم فيها معاني الهوية للوحدة التي طغت على حقبة من المشاريع الصغيرة بكل تفاصيلها المعنونة بالتمرد الحوثي والحراك الانفصالي والنعرات المناطقية.. حين صرخت بصوت عالٍ "الشعب يريد إسقاط النظام"، النظام بكل تفاصيله وتكويناته، وتلك هي مبادرة الجماهير.. فهل يدرك المعنيون واقعية أنهم اليوم قد باتوا جزءاً من الماضي حتى وإن كانت ما تزال أنفاسهم طليقة حية تجوب هذا الوطن؟َ!
ابن اليمن
وللجماهير مبادرة! 1654