بداية هذا العام كانت حافلة بالعجائب ,فمن كان يتصور أن تزول تلك الزعامات التي جثمت على أنفاسنا عقوداً, وأن تختفي صورهم من البنايات , والمكاتب الحكومية ,ومن نشرات الأخبار التي تتحفنا بخطاباتهم "بالرايح والجاي", لو قال لنا عراف هذا ما كنا صدقناه ولقلنا (كذب المنجمون ولو صدقوا).
وفي سياق هذه التداعيات أثبتت لنا الخطابات العربية الديكتاتورية مدى جهل تلك الزعامات العربية البائدة للغة التخاطب الجديدة مع شعوبها ,فلم تعد الشعوب العربية نفس الشعوب التي تخوف بلغة الحديد والنار، كما في خطابات السفاح القذافي التي تعتبر من أبشع الخطابات الديكتاتورية وأكثرها هزلية ودموية , صارت الشعوب أكثر قدرة على المغامرة ولم تعد تهزها تلك الاسطوانة المشروخة بالتخويف بالفوضى ونزع فتيل الأمان , كما هي عادة الخطابات الصالحية عندنا في اليمن والتي لعبت بأعصابنا ومقدراتنا 33 عاماً بهذه الخطابات التخويفية والترهيبية للمواطن البسيط , لابد لصالح أن يدرك جيدا أن اليمن أصبحت أكثر ثقة في قدرتها على نبذ هذا النظام واختيار غيره , و أكثر ثقة بأنها تستطيع إفراز قيادات جديدة تنهض بالبلاد , ليس بسبب أنها أصيبت بحمى الأنفلونزا كما يهزأ الصالح ولكن لأنها أدركت أن اللعبة صارت في صالح الشعوب اليوم , ولم تصبح في ملعب الزعماء المخلوعين ..
وفي ظل ما نراه وما نسمعه كم تشبه السيناريوهات العربية بعضها ,فما يحدث الآن في ليبيا وفي بلادنا اليمن , وما يمارس ضدها من قمع واعتداءات , وما تمارسه وسائل الإعلام الحكومية من تعتيم وتشويه لما يحدث في الساحة، يشبه إلى حد كبير ما حصل في مصر وفي قنواتها الإعلامية والسياسية , مما يؤكد لنا أن الزعماء العرب تخرجوا من نفس المدرسة العسكرية وأنهم لن يحفظوا ماء وجوههم ويدعوا الشعوب لخيارتها حتى تراق على صفحاتهم السياسية الكثير من الدماء
وفي الأخير أنطبع في ذاكرتي مشهد أحببت أن أذكركم به , فبعد احد خطابات معمر النارية انحنى أحد الحراس المرافقين لتقبيل رأسه ويده وكأنه ولي من أولياء الله الصالحين , أدركت وقتها أن البطانة التي تحف برؤؤسنا العرب هي من تشعل فيهم أيضا جنون العظمة وهي تقول لكل مبادرة لهم لإبادة الشعوب (آمين ), إن من أعظم الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر , وإذا كان المقربون من السلطة قد تلوثت حلوقهم، فلم يعودوا قادرين على التمييز بين الحق والباطل فليصمتوا وليقدموا استقالاتهم خيرٌ لهم ولشعوبهم , ولا يركنوا لأي توقعات سياسية قد تعيد الأوضاع لما كانت عليه لأن الشعوب العربية قد قطعت خط الرجعة ولن ترجع للوراء اليوم.
وضحة عبده
كُش ملك (نهاية اللعبة لزعماء العرب) 1920