لن أطيل الحديث عن ليبيا فهي غنية عن التعريف وهي أرض المختار، الذي سجل أنصع أنشودة عن مقاومة الاستعمار ، إنها أرض شيخ الشهداء و أسد الصحراء عمر المختار .
لقد غابت ليبيا حتى ظننا يوماً أن ليبيا لا يوجد فيها أحد إلا معمر القذافي ، فهو المعلم والكاتب والملهم ، والبروفسور ، والقائد و المواطن ، في ثالث أغنى دول الأوبك .
غابت ليبيا لأننا نراها في عباءة معمر فقط ، و لا نعرف غير معمر ، وحديث معمر وفكر معمر ، حتى كانت لحظة الحقيقة في الـ17 من فبراير 2011م ، برز أحفاد المختار ، خرجوا عن صمتهم ، خرجوا ليعلنوا ميلادهم ، ميلاد حضارة و أمة ، ومجد وهمة ، خرجوا أمام معمر فكان رد معمر ، رداً قاسياً أليماً لم نتوقعه ولم نحلم به ... ربما !!
نعم .. كان متوقعاً بل كنت أتوقع أشد مما جرى ويجري في أرض الأحرار ، لماذا ؟
معمر القذافي من قبيلة عريقة في ليبيا من القذاذفة ، من قرية تعرف (بجهنم ) من سرت وسط ليبيا ، تخيلوا من أين أتى؟ ولكن ليس هذا ما أريده.. سأحاول معكم فهم لماذا فعل القذافي كل هذا؟، كيف يفكر؟
القذافي في الستينيات من القرن الماضي عمل مع قيادة حركة الضباط الاحرار في انقلاب أبيض في العام 1969م ضد الملك السنوسي ، عندما أعلنت حينها الجمهورية العربية الليبية ، تقليداً لما فعله الضباط الأحرار في مصر حينها بقيادة محمد نجيب و جمال عبد الناصر ، و من طرائف الأيام أن علم ليبيا عند إعلان الجمهورية هو علم بلادنا اليوم الجمهورية اليمنية .
المهم في العام 1977م وقد وضع ما أسماه هو بالنظرية العالمية الثالثة في قالب الكتاب الأخضر الذي يمثل للقذافي الكتاب المقدس وهو أهم مؤلفاته ، ولديه كتب أخرى منها الكتاب الأبيض الذي أعده لدولة أسراطين (فلسطين وإسرائيل ) ، في الكتاب الأخضر أوجد ما عرف بعدها بالجماهيرية ، في نمط غير اعتيادي للمزج بين الاشتراكية و الرأسمالية في صورة ديمقراطية على شكل بنية تديرها الجماهير عبر المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية والتي يفترض حسب الكتاب الأخضر هي التي تدير البلاد ، وبالتالي هو قائد الثورة وزعيم ليبيا .
ومن هذا المنطلق فليبيا مدينة له بكل ما سيحدث لها من تقدم ونماء ، فهو من أساسها وبناها وشيد ثراها .
ما يهمنا أن القذافي مصاب بحالة نفسية تعرف بالرهاب أو ( وهم العظمة ) أو ما تسمونه جنون العظمة ،وليس هو بالجنون.. فالجنون لا يحاسب صاحبه عن أفعاله ، وإنما نوع من الوهم و الظن يتشكل في الذهن، يعتقد المرء عندها بأنه مضطهد من الآخرين ، وأنه صاحب قدرات ومكانة يجب أن يقدرها الآخرون، بل وربما يصل بالمرء الظن أنه يستحق أن يكون نبياً أو حتى إله ، فنحمد الله على العافية ، وهذا ليس كلامي فقط وسأستدل هنا بكلام صادر في برقية من سفير الولايات المتحدة في طرابلس جين كريتز في عام 2009 بأنه "شخصية زئبقية وغريب الأطوار، يعاني من عدة أنواع من الرهاب، يحب رقص الفلامنكو الأسباني وسباق الخيل، يعمل ما بدا له ويزعج الأصدقاء والأعداء على حد سواء"
و وهم العظمة لدى القذافي ينمو بسبب مكتسب وسبب نفسي ، فالمكتسب ناتج عن مداحيه ، و النفسي ناتج عن حالة تعرف بالشخصية السايكوباثية أو الشخصية العدائية : وهي شخصية مفترسة تستخدم كافة الأساليب والطرق في تسخير الآخرين والسيطرة عليهم، تفتقد الشفقة والرحمة وتستأنس بعذابات الآخرين. من أجل تحقيق ما يسعى إليه، فأنه قد يستخدم الطرق الملتوية والخداع اللفظي وإظهار النفس بما ليس فيها من أجل التمويه ومن ثم الإنقضاض على الفريسة، عدا إبراز الجوانب الاجتماعية في غير موضعها ومنها مثلاً الخيمة التي يعيشها ليثبت أنه قبيلي عربي أصيل ، ولكن الحقيقة أنه يخاف الارتفاع عن الأرض كثيراً .. المهم ... دعنا ننتقل للأهم وهو أن ما سبق يفسر لنا الآتي :
- محاولاته العديدة للحصول على لفظ زعيم العرب بعد جمال عبد الناصر وقد قالها صراحة أنه الزعيم بعد جمال .وبرزت في محاولات كثيرة لاستقطاب الشعوب العربية عبر التنفيس عن طموحاتها مثل ما تصنعه في خطبته في الأمم المتحدة، ولكنه فشل لأن المصداقية غابت .
- انتقل لأفريقيا ولأنه يمتلك الثروة التي يحتاجها الكثير استطاع بالإغراء المادي والذهني عبر انتشار الجهل و أن يصبح لعديد من الأفارقة المعلم الروحي والقائد والملك المطاع .
- و بالتالي أيضاً وبناء على هذه العقلية لا نستغرب ما يصنعه وما سيحاول صنعه في شعبه لأنه من منطلق أنه صاحب الأرض و المؤسس، فهو يرى هؤلاء الثوار من الشعب أعداء ومغتصبين لأرضه وثروته ومن باب الدفاع عن ماله وعرضه وحقه، فهو ارتكب ويرتكب المجازر لأنه يظن أنه على الحق و أن الله معه مؤيده . ولهذا فقد قتل الكثير من أقاربه و أصهاره . و أعز أصدقائه.
شخصية القذافي هي تشابه شخصيات حكت واستبدت و لما ظنت أن هناك من سيسرق مجدها دمر الأرض من تحت أقدام من يظنهم عدوه وسُراق حقه ، ومع اختلاف نوع الوهم الذي لديهم وارتباطهم بالأرض التي يعيشونها ، هذا ما فعله النمرود في مخالفيه ، وما صنعه فرعون ،و هذا ما فعله نيرون في روما ،وما صنعه مسيلمة الكذاب ، و ما فعله هتلر في ألمانيا ، و ما فعله موسوليني في ايطاليا ، لأخر لحظات حياته وهو يظن أن ما فعله من قتل ، هو واجب مقدس و لو عاد لعاد ، ولذا فهو مهما حدث يظل يتكلم بعنجهية و اباء ، ومن يسمعه يظنه مخلداً.. ولكنه أمر الله .
اللهم تقبل شهداء ثورة ليبيا ، واغفر لهم ، و تب عليهم ، اللهم خفف عن جرحاهم وأزل بلاءهم ، و خذ بأيديهم إنك على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ambmacpc@gmail.com
http://www.facebook.com/AMBMACPC
أحمد مبارك بشير
ليبيا تولد من جديد 2138