أعلن الحاكم، اختفت الناس، ماتت الشعوب، انتحرت الحرية، فشلت الأنظمة الجمهورية فسارعوا إلى ركوب الأنظمة الملكية ـ فمواطنوها يموتون سمنة وترفاً ويلعبون بالنفط ويطفون أعقاب سجائرهم في مطافئ من ذهب ، يتباهى كتاب ومنظرو محور الاعتدال وعلت أصواتهم، كم قد نصحناكم بأن زمن الثورات والعنتريات قد ولى ومضى ، ألم تؤمنوا بأن أميركا هي رب الكون والسيد المطاع الذي لا يرد أمرها فهي من يسمع قولها وكلامها وما الشعوب والحرية إلا كذبة كبرى صدقها سدنة التغيير الثكالى .
تراجعت ثقافة التغيير، خفت صوتها، تغلغل اليأس في قلوب كتاب الكلمة الشريفة وصار والمداهنة تجارة ، آثر كثير من أصحاب الرأي ركوب موجة السكوت والانتظار والتضرع والدعاء ، تكسرت أقلام وسيوف رفعت في وجه المستعمر لأننا ظننا الاستعمار وجهاً واحداً فوجدناه ألف وجه والفرق بينهما في الاسم ما بين استعمار محلي واستعمار أجنبي واستعمار وطني ، ثار الشباب، حصل المستحيل من شباب طالما رفعنا في وجههم معوقات الثقافة والعادات وشتمنا قدراتهم وأوقاتهم السيئة ، وتباكى الجيل القديم المتعوس على بطولاته الكذابة وانتصاراته الزائفة ، صحونا على صبح صافِ نظيف تفوح منه رائحة الحرية وملائه نسمات التغيير ..
التغيير.. تلك الكلمة التي كدنا ننساها وتغادر قاموسنا اليومي ولا نتذكرها إلا في المناسبات الوطنية ونبذّر أموال الشعوب وأحلام الشباب لتصبح تجارة رابحة لكل مدع ، ففيها يسمح تبذير الأموال وفتح الأرصدة المفتوحة لأن الطعن فيها طعن في الوطن الوطنية .
لقد أسقط شباب التغيير أصناما كثيرة عبدناها وهتفنا لها ومشينا وراء أوهامها من تلك الأصنام مرجعيات دينية وسياسية وثقافية ادعت أنها تعبر عن الشعب ولا يستطيع الناس التنفس إلا عن طريقها وبواسطتها، تلك الثقافة الكاثلوكية المسيحية طالما سمعناها في مساجدنا ومنابرنا من جماعات امتهنت الادعاء والتنظير والتهديد والوعيد بأنها الموقعة عن رب العالمين من لم يصدقها فقد تخلى عن دينه وأبيح دمه وصدقناها لأننا في زمن اللامعقول وفي عصر إلغاء العقل والتفكير والسير وراء التقليد والإتباع والانصياع.
إن شباب شوارع الحرية وهتافات الحرية استمع إليها رب العالمين واستجاب دعاءها أكثر من هذه الجماعات التي أخذت وكالة حصرية في معرفة رب العالمين والتواصل معه، استجاب ربنا لدعاء الشباب الصادق وخذل الله هذه الجماعات المدعية والتي لا تعرف غير التهديد والوعيد والاستعلاء الخطابي والديني وممارسة الو لاءات الضيقة وتصنيف الناس هذا معانا فنعطيه ونحبه ونواليه ونستر أخطاءه ، وهذا ضدنا فنكرهه ونهجره ونمنعه، قسموا المجتمع وفرّقوه وقتلوا روح الإبداع في شبابه وجمّدوا عقوله وافقدوه روح الإبداع والابتكار وأعادوه لعصور التقليد والتبعية .
من هذه الجماعات التي كشفتها ثورة الشباب وتيار التجديد جماعات القتل والتفجير تحت مسمى
الجهاد والقاعدة ، فالشباب أحدث تجديد وتغيير سلمي وحضاري لم تهدر فيه قطرة دم واحدة بل تم الحفاظ على روح الإنسان وكرامته والالتجاء إلى القضاء والقانون في محاسبة الآخرين والمسيئين واختاروا سياسية الصفح والتجاوز والرحمة بينما هؤلاء الذين يقتلون باسم الإسلام ويلغون في دماء المسلمين لم يقدموا إلا تشويهاً وتقزيماً لصورة الإسلام وصوّروا الإسلام دين قتل وذبح وقطع ورجم وغطوا على روح التسامح والمحبة والتعايش والقبول بحق الحياة لكل البشر. حان الوقت لتراجع كل الجماعات والمرجعيات مواقفها وثقافتها وطريقة دعوتها وسلوكها في التعامل مع المجتمعات وشرائح المجتمع ونخبه وأن تشتغل بنفسها على أن تشتغل بغيرها وتوزع صكوك الصواب والخطاء وتترك ثقافة الكهنوت والتقوقع على النفس والإعجاب بالنفس والتحزب للجماعة ولفكرها الضيق الأوحد .
Binamar25@hotmail.com
فائز سالم بن عمرو
انتصار ثورة التغيير والشباب على السيف والقلم 1763