كان شعب مصر العربية يغير وجه التاريخ في منطقتنا وربما في العالم كله حين اتخذ نظام كامب ديفيد المنهار قراراً بمنع الفلسطينيين من دخول بلدهم الثاني مصر، ولم نسمع عن قرار مماثل تجاه أي شعب آخر، وكأن الفلسطينيين رجس من عمل الشيطان أو أنهم إرهابيون.
قد يكون هذا القرار شهادة لشعب فلسطين العربي باعتباره مناهضاً لهذا النظام البائد وبأنه مع شقيقه المصري في مواجهة نظام الفساد والتبعية لمبارك وزمرته المنحرفة لكنه قرار يمثل أبشع تمييز يمكن أن يوجه ضد شعب آخر، فما بالك وهذا الشعب شقيق، وأقرب الأشقاء لمصر من حيث المشاعر والوجدان كما الجغرافيا؟
إن الحقد الذي حمله حسني مبارك شخصياً ضد شعبنا هو وحده ما يفسر حملات القمع التي تعرض لها الفلسطينيون على مداخل مصر وفي مطاراتها على امتداد سنوات حكمه الفاسد، ولعل آلاف المسافرين ممن وطأت أقدامهم أرض مصر يتذكرون المعاملة القاسية والسيئة من أشقائهم المصريين ولا يعرفون أسبابها. نحن نعرفها لأن صلتنا بمصر وبالعارفين ببواطنها جيدة ومتواصلة، والحال أن توجيهاً رئاسياً قديماً تم تعميمه للتضييق على الفلسطيني في مصر وسفاراتها في الخارج، وبصورة أكثر دقة فإن رد حسني مبارك على سؤال وزير داخليته الأسبق عن كيفية معاملة الفلسطينيين كان بكلمة واحدة: "إقرفوهم"، وهكذا رأينا وسمعنا كيف يعامل الفلسطيني بوحشية وازدراء من جانب السلطات المصرية الرسمية.
إن من قرأ مقالنا بعنوان "غزة وتفجير القديسين يرجى الانتباه" يدرك اليوم لماذا دعونا رئيس السلطة محمود عباس لوضع اتهام حبيب العادلي وزير الداخلية المصري السابق بعض أهلنا في غزة بالمسؤولية عن تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية على رأس جدول أعمال لقائه مع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك قبل اندلاع الانتفاضة بأيام قليلة.
لم نخلق مشكلة ولم نحدث ضجيجاً يوم أعلنت سلطة مبارك عن قرارها بمنع الفلسطينيين من دخول مصر بسبب المعركة التي يخوضها شعب مصر ضد نظامه، وتركنا المسألة حتى نتفرغ لمساندة ودعم إخوتنا هناك من أجل تحقيق هداف الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
الآن وقد سقط النظام لا بد أن نفتح الملف لنبدأ بسؤال أشقائنا في مصر، سواء كانوا في أوساط ثورتهم المباركة أو المجلس العسكري الأعلى: لماذا يستمر قرار المخلوع مبارك سارياً حتى اليوم؟ واستطراداً منطقياً لا بد منه يقول: لماذا تسمح مصر بدخول الإسرائيليين واليهود من كل جنسية وصنف وكذلك الأمريكيين بينما تمنع الفلسطينيين؟ هل نطمع في تفسير منطقي؟
الشعب الفلسطيني يكن كل الحب لمصر وشعبها الطيب والكريم، ويعرف المصريون أن أكثر شعب يرتبط بمصر بأواصر المصاهرة والنسب والقربى بخلاف الجغرافيا هو الشعب الفلسطيني، كما يعرف شعب مصر وجيشها أن الفلسطيني هو أكثر من يحرص على أمن مصر ويؤلمه أن يصيبها أي مكروه تماماً كحرصه على فلسطين.
إذن، لماذا تستمر معاملة شعبنا بهذه الطريقة البشعة؟ ولماذا يستمر إغلاق معبر رفح أمام المواطنين الآمنين وتعطيل مصالحهم؟ لمصلحة من أخذ قرار كهذا واستمراره بعد انتصار الثورة؟ وهل نطمع في كرم أشقائنا لتغيير ذلك رغم أن حق المرور الآمن تكفله كل المواثيق الدولية والأعراف السائدة بين الأمم، الأمر الذي نسمعه في إجابات العملاء على استفسارنا عن دخول الإسرائيليين للأراضي المصرية أو حول عبور البوارج الحربية الأمريكية والإسرائيلية لقناة السويس لضرب الشقيق أو محاصرة الصديق.
إن استمرار بقائنا في حضن النظام المصري البائد من جانب حركة "فتح" والسلطة برام الله ومجاملة حركة "حماس" له في الفترة السابقة هو أحد أسباب الإهانة والإذلال التي يتلقاها أو يتعرض لها شعبنا الفلسطيني من جانب زبانية ذلك النظام، وإن هؤلاء يتحملون مسؤولية الوضع المهين والمؤلم الذي تجسده حالة شيوخنا ونسائنا وشبابنا في ردهات مطار القاهرة الدولي أو فناء معبر رفح الحدودي أو أرض ميناء نويبع وغيرها من مداخل مصر التي عادة ما يوجد بها أماكن احتجاز خاصة للفلسطيني.
لقد حان الوقت، وكما طالبنا في عدة مرات سابقة، أن تعيد قيادتنا الحوار مع السلطات المصرية الجديدة من أجل تجليس العلاقة الخاطئة بين هذه القيادة وتلك السلطات لتصبح علاقة تقوم على التكافؤ وحرية الاختيار كما على الاحترام المتبادل ومشاعر الود المفترضة بين شقيقين، أما العلاقة الحالية وما كان سائداً فهي علاقة مخزية وفيها الكثير من مظاهر التبعية من جانبنا والاستعلاء من جانب نظام فرط بحقوق شعبنا الفلسطيني وصنع سلاماً منفرداً مع العدو الصهيوني. يجب أن نحترم خيارات الشعب المصري التي نعرف أنها لم تكن يوماً مع كامب ديفيد أو مع السلام المزيف والوهمي، وهي كانت دائماً مع خيار المقاومة، ونعرف أنها لو كانت حرة في خياراتها ما فتحت سفارة لإسرائيل بأرض الكنانة مطلقاً.
على سفارتنا بجمهورية مصر العربية بعد هذا أن تسعى لقرار جديد يحفظ لشعبنا الفلسطيني حقه في المرور والتنقل بين جزء من وطنه في غزة وبين العالم الخارجي، كما لحفظ كرامته.
زياد أبو شاويش
ممنوع على الفلسطيني مسموح للإسرائيلي؟! 1925