توافق المشاركون في اللقاء السنوي لمنتدى دافوس الاقتصادي، وهم النخبة من رجال السياسة والأعمال في العالم، على تواصل عملية انتقال القوة الاقتصادية بوتيرة أسرع من الدول المتقدمة في الغرب الأوروبي/ الأمريكي إلى الدول الصاعدة في الشرق الآسيوي.
لقد تحدث في المنتدى المذكور مدير شركة "فيبرو" الهندية عظيم بريمجي، وهي شركة متخصصة ببرامج الكمبيوتر، فلاحظ تباطؤا في أسواق الغرب يقابله نمو في أسواق الشرق الناشئة، وقال بريمجي إن هذا يعني تحولا كليا في موازين القوى، سوف يترتب عليه ان يصبح اقتصاد الدول الناشئة، في السنوات العشر المقبلة، مساويا وربما متجاوزا للاقتصاد الأمريكي. أما ممثل الصين في صندوق النقد الدولي فقد أكد أن الانتعاش الاقتصادي العالمي لا يزال مدفوعا بالهند والصين، وأن النمو أصبح قويا جدا في الأسواق الناشئة "دافوس 26/ 1/ 2011 / الصحف".
إن تغييرا نوعيا طرأ على البنية المادية التحتية للعالم، وإن البنية الفوقية، الحقوقية والسياسية، تسرع خطواتها للتلاؤم مع هذا التغيير، وهكذا لم يستطع الاستاذ الأمريكي نوريل روبيني الا الاعتراف بالتغييرات الإيجابية الاقتصادية الدولية التي تحققت بفضل الدول الصاعدة، أي بفضل المستعمرات السابقة، وهذا الاعتراف دليل تحول كبير في الخطاب السياسي الأطلسي المتغطرس.
غير أن روبيني أشار إلى الوجه السلبي من المشهد الدولي، إلى أزمة منطقة اليورو، أي أزمة الاتحاد الأوروبي، وإلى الركود المستمر في سوق العقارات الأمريكية بكل مدلولاته الخطيرة، وإلى ارتفاع أسعار السلع، خاصة الغذائية، وما يترتب عليها من اضطرابات اجتماعية في بعض المناطق العالمية.
لقد كان المقصود بمناطق الاضطرابات الاجتماعية البلاد العربية خصوصا والأفريقية عموما، حيث أشير في المنتدى إلى ازدياد حدّة التوترات الاجتماعية في "شمال افريقيا والشرق الاوسط"، وجرى الحديث عن انعدام المساواة بين اثرياء العالم وفقرائه "والعرب في جملة فقرائه!" وعن خطورة ذلك. وقال ممثل الصين في صندوق النقد الدولي ان تنامي انعدام المساواة هو من اكثر التحديات التي تواجه العالم خطورة، سواء في الأسواق الناشئة او المتقدمة، ولاحظ ان العالم لم يول هذه المسألة اهتماما كافيا!
غير ان ما يستدعي الانتباه الشديد هو التناغم بين ما تردد في جنبات منتدى دافوس وبين ما جاء في الخطاب السنوي للرئيس الأمريكي "القاه في التاريخ نفسه" عن "حال الاتحاد".
قال الرئيس باراك أوباما ان الاقتصاد العالمي تغيّر خلال جيل واحد، وان أمريكيين كثر يتذكرون كيف كان الوضع قبل الدخول في مرحلة العولمة، حيث كان يكفي العمل بكدّ كي يحصل الفرد على راتب ومكاسب اجتماعية كافية، لكن ذلك الوضع تغير تغيّرا مؤلما: لقد تغيرت القواعد وتغيرت طريقة عيشنا، وعملنا، وتجارتنا، بسبب الثورات التكنولوجية، وبسبب صعود قوى صناعية جديدة مثل الصين والهند"!
لقد دعا أوباما شعبه الى عدم اليأس والاحباط، مشددا على ان الولايات المتحدة لا تزال تملك الاقتصاد الاكثر ازدهارا في العالم. قال أوباما ان العالم تغيّر حقا "في غير صالحهم" لكن ذلك لا يوجب "إثباط عزيمتنا، بل يجب ان يشجعنا وذلك بدعمنا الاستثمارات، كي نبتكر، ونتعلم، ونبني افضل من بقية دول العالم"!
ان كلام أوباما موجه الى الجمهوريين المتطرفين، الذين يرفضون تخفيض نفقات الحكومة الفيدرالية بنسب كبيرة جدا، اي خفض الضرائب على الشركات الكبرى والاثرياء الكبار فهؤلاء يريدون من الحكومة الفيدرالية، كما يبدو، ان تدبّر امر انفاقاتها من خارج الحدود "عن طريق الابتزاز وشنّ الحروب مثلا"؟!.
ان تجار النفط والسلاح في الولايات المتحدة ما زالوا يحتلون مواقع قيادية حاسمة، رغم التغيير الثوري التكنولوجي الذي غيّر العالم خلال الجيل الماضي كما قال أوباما، الذي حول الصين والهند من مستعمرتين سابقتين الى قوتين عملاقتين تزاحمان الولايات المتحدة على مركزها الاول خلال السنوات العشر المقبلة، كما قال مدير شركة برامج الكمبيوتر الهندية.
ان أوباما يحاول ايقاف استيلاء شركات النفط والسلاح على مليارات الدولارات، وتحويلها لصالح الثورة التكنولوجية الجديدة وقواها الاجتماعية الجديدة، غير ان تجار النفط والسلاح يرفضون، ولعلهم سوف يرضخون قريبا للوقائع الجديدة التي تستحيل إعاقتها!
وهكذا، بينما العالم عموما يتحرك بمتقدميه وصاعديه وناشئيه، يتغير ويتقدم حثيثا هنا وهناك، بما فيه اخواننا الاتراك والايرانيون، نجد أمتنا العربية، المكبّلة بالنظام الرسمي، التي تعد اكثر من ثلاثمئة مليون نسمة، ضعيفة ممزقة مسلوبة الارادة، تراوح في مكانها وتناضل فقط من اجل قوت يومها، فهل بدأت نهوضها وانطلاقها بالانتفاضتين التونسية والمصرية؟.
نصر شمالي
العرب يراوحون والعالم يتقدم حثيثا! 1827