ما يلاحظه كل متتبع للسياسة الأمريكية الخارجية أن هناك تغييرا في أسلوب التعامل مع الدول، سواء الصديقة والحليفة أو الخارجة عن دائرة الولاء والطاعة. فلم يعد المنطق البوشي هو القائم من خلال فرض الواقع بالقوة، أي بإعلان الحروب وما ينجر عن ذلك من تبعات، بل تبدلت المعالجة مع مجيء أوباما والديمقراطيين إلى سدة الحكم.
منطق الحروب كما شاهده الأمريكيون أولا والعالم ثانيا، قاد الولايات المتحدة إلى العديد من الخسائر المادية والمعنوية منذ فيتنام إلى العراق ونتج عنه تملل الداخل الأمريكي الذي أصبح يحصي عدد الجثامين العائدة بكل حسرة، ورفض لنهج الإدارة الأمريكية وساعد أيضا على نشر كره بغيض للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.
أوباما لم يكن بمنأى عن هذا الواقع الأليم الذي تعانيه السياسة الأمريكية نظرا للإرث الثقيل من المشاكل والصعوبات الذي تركه الرئيس غير المأسوف عليه جورج بوش الابن، مما جعل المقاربة الخارجية تصاب بكثير من الإرباك وتدخل في أنفاق لا مخرج منها.
نتيجة لكل ذلك سعى الديمقراطيون إلى تغيير جذري في التعامل مع الأزمات الخارجية ومحاولة تغليب منطق الحوار والمصلحة على منطق القوة، وهذا ربما ما يفسر الماراطون من المفاوضات الذي تعلق بالملف النووي الإيراني وما بدا من الإدارة الأمريكية من صبر طويل على الموقف الإيراني المراوغ.
التغيير في الموقف الأمريكي نلحظه أيضا من خلال ردود الفعل على الثورتين اللتين وقعتا في تونس ومصر، فقد عبر أوباما عن تأييده لرغبة الشعب التونسي ولم يدعم مبارك في مواجهته لتحركات الجماهير الغاضبة، مما سهل التغيير الذي حدث في البلدين، وهاهي الآن تدعم انتفاضة المعارضين في إيران وتسعى إلى أن يتوصل الداخل الإيراني إلى ما عجزت عنه السياسة الخارجية الضاغطة لواشنطن.
فما أسباب هذا التحول في المعادلة الخارجية الأمريكية؟ ربما الإجابة الواضحة الآن هي أن الإدارة الأمريكية غير مستعدة لتقديم المزيد من الخسائر في ظل وضع اقتصادي داخلي مأزوم، إضافة إلى أنها تريد تلميع صورتها لدى شعوب العالم العربي والإسلامي من خلال الظهور بمظهر المدافع عن الحريات والديمقراطيات ورغبات الشعوب في الانعتاق من النظم القمعية والاستبدادية.
وهذا الدور الجديد لأمريكا لا يخفي حقيقة أخرى وهي أن المصالح الأمريكية هي خطوط حمراء لا يمكن المساس بها، فمهما كان النظام البديل لابن علي أو لحسني مبارك فإنه يعي جيدا حدود تحركه وعلاقته بأمريكا في إطار نظام دولي أحدثته اشتراطات العولمة وتبعاتها.
فزمن النظم الايديولوجية والمنغلقة على نفسها قد ولى وأصبحنا نتحدث الآن عن واقع جديد يؤمن بالانفتاح وبالشروط الموضوعية للحداثة وللنظام العالمي المهيمن.
أمريكا إذن وعت بتغير أحلام الشعوب وطموحاتها وما أحدثته الثورة المعلوماتية، لذلك هي تستبق هذا التبدل محاولة جني ثماره وحفاظا على مصالحها الجوهرية.
عبد الفتاح العربي
تبدل الاستراتيجية الأمريكية 1655