بمر العالم بمراحل مختلفة في سياسات الأنظمة والحروب الباردة وثورات الشعوب المتعاقبة وتباين المواقف الدولية وكسرت حواجز السرية وسقطت أقنعة المهابة والخشية خصوصاً حينما تتوفر وسائل القوة.. فأصبحت فاعلية
مجلس الأمن غير مجدية وقراراته غير ملزمة وحق "الفيتو" هو الشرعية الكاملة ولا عزاء لمن لم يملكون تلك العضوية، فمصادر القوة أعلنتها بصراحة" من ليس معنا فهو ضدنا" والبادرة أصبحت مشتغلة وثورات
الشعوب لم تعد اغتيالات دموية أو سموماً تدس في الأطعمة.. فميدان التحرير في العاصمة هو ساحة المعركة وكلمة "أرحل" على يافطة ثورة كافية لقلب نظام الدولة حتى وإن تصدت لذلك قوات الشرطة إلا أن تغيير
السلطة ضرورة حتمية وتونس والقاهرة أمثلة وأول الغيث قطرة كما يقال حتى وإن كانت الأنظمة موالية لإسرائيل ولندن والولايات المتحدة فقدراتهم تملك السيطرة على الأنظمة الجمهورية كمصر والحكومة اللبنانية والسلطة
الفلسطينية ولكن أعتى قوة في المنطقة وقفت عاجزة أمام صمود شباب حركة حماس في غزة وأبطال المقاومة في حزب الله.
إن ثورات الشعوب على أنظمتها الحاكمة بهذه الطريقة السلمية تعني أن الشعوب وصلت إلى مستوى الوعي والتحضر للبحث عن فجر المستقبل الواعد بالخير والانتقال من زمن إلى آخر ومن حال إلى أفضل، وعلى بقية حكام
المنطقة مراجعة حساباتهم وإلا فإن الطوفان قادم، أقول ذلك بعيداً عن الشماته ولكن دائماً كلمة الحق مرة إلا عند أهل الحكمة.
وما أدو التلميح إليه هو أن أهم أسباب قيام أي ثورة هي خروج الحاكم عن ما أمر به الله في الدول المسلمة وغياب العدالة في الدول المغايرة وركود سياسية الأنظمة وغياب جهودها المثمرة وقدراتها على التجديد في بناء شعوبها
لمواكبه الشعوب المتحضرة.. إن الحكمة هي ظالة المؤمن والحاكم معاً ومن لم يتعض من نتائج أحداث تونس والقاهرة فليس بمؤمن ولا حاكم، فمن رحلوا عن سدة الحكم بهذه الطريقة المزرية حتماً كان ذلك بمصائد سوء
إدارتهم وشر سياساتهم.. ففي تونس منع الحجاب وتعدد حالات الزواج وتصميت الاذان الداعي لإقامة الصلوات ونهاية المطافة كان هروبه إلى مملكة المآذن وقبلة كل مؤمن، أما فرعون العصر فلم يكون أقل سوءاً عن سابقه
فبصماته السيئة واضحة المعالم ومتعددة في مواقفه الدولية وإخفاقه في القضايا العربية و فالقتلى والجرحى والأسرى نتائج عمالته للأعداء لا تعد ولا تحصى في العراق وغزة وحزب الله وبصمات مساووئه سراً وجهراً لم تقف عند
حد موقفه السلبي من الجنوب السوداني الواضح والجلي وإصراره في استمرار لجان التفتيش في العراق حينذاك وكلنا نعرف أعضاء تلك اللجان كانوا جواسيس ودعواته المتكررة لمغادرة الشهيد/ صدام حسين ـ بلده وتركها
للأميركان في حين لم يترك مصر للمصرين إلا بعد ما شاهدنا وبعد نجاح ثورة الأبطال التي لم يحتفل شعب مصر وحده.
ولكن غالبية البلدان دليل على صحة ما أشرنا إذ لا ننسى موقفه أثناء حرب الردة وعصابة الانفصال وموقفه السلبي بقوله "ما فيش وحدة بالقوة" وردود فعله المشينة على كل بادرة طبية ومواقف ايجابية لصالح الأمة كقوله
"ما تجي ونا أديك حتت أرض" بلهجته الدارجة وقوله أيضاً "دي حركات نص كم" هكذا زعيم لا يغفر له التاريخ أو يرحم محادثاته الكثيرة ووساطاته المنحازة للعدو في محاولة الإفراج عن "شاليط الجندي" الأسير
في المعركة كانت وهمة ومهمته بينما كان يدير ظهرة عن "10" آلاف معتقل نساء ورجال في سجنون الاحتلال إلا أن الأبطال من حركة حماس كانوا له بالمرصاد ولم تنجح محاولاته المعدودة في شرم الشيخ ـ سيئة السمعة،
ورد في آخر خطاباته "العيب كل العيب والحرج كل الحرج أن أتلقى إملاءات غريبة".
كانت تلك محاولة غير مجدية.. فالعيب كل العيب أن يستغفل شخص عقول الأمة والحرج كل الحرج أن تنادي إسرائيل المجتمع الدولي وكل منظماته الوقوف إلى جانبه، والدكتاتورية كل الدكتاتورية أن ينام في قصره وينام
مليون شخص من أبناء شعبه على الرصيف وساحة ميدان التحرير لمدة 17 يوم، والعار كل العار أن يحكم شعبه "30"عاماً وينزعه شعبه كما تنزع الشعرة من العجين وتقام الأمسيات والمهرجانات والاحتفالات معبرة عن
فرحة شعب بزوامل كابوس "سيتم سقوط هبل الأكبر في المنطقة"، إن اشقاءنا من أبناء مصر العروبة قد استعادوا الكرامة والمجد والمكانة العظيمة اللائفة بشعب يفوق تعداد سكانه الـ"80" مليون بعد أن قزمه وغيب دوره
في كل المواقف والمحافل الدولية وبقدر براعته الأشقاء في إجادة ادوار التمثيل لي المسرحيات والأفلام إلا أنهم أجادوا وأبدعوا ساحة عرضها ميدان التحرير عرضتها كل الفضائيات مباشتراً وعلى الهواء في جمعة التحدي الحسم
11/2/2011م، وأن هذا التاريخ يبشر دول المنطقة بعودة مصر إلى حضانة الأمة وينذر ذلك الكيان الغاصب أن سنوات العسل قد انتهت وزمن العمالة قد رحل.
إن على عامة الحكام الاستفادة وأخذ العبرة من أحداث المنطقة المتتالية وأن يدركوا أن صناع الدكتاتورية هم البطانة الفاسدة الذين يسعون جاهدين لحجب أوضاع الشعوب المعيشية ويقفون حائلاً ومانعاً لوصول أي تظلمات من أبناء
الشعب إلى رأس السلطة ويوهمون النظام بأن أبناء الشعب ينعمون بالخير لتطول فترة بقائهم في السلطة لمصلحتهم الشخصية.. ثم إن على الحكام أن لا يتقيدوا بالثقة الزائدة للحاشية والتنظيمات الحزبية حتى وإن كانوا من
الأهل.. والتاريخ قد سرد لنا حوادث عدة تبين لنا حالات الخيانة وخروج الحاشية عن الحكام وحتى من هم تحت أمرة ـ الصفوة من الأنبياء عليهم السلام ـ فابن نوح عليه السلام لم يكن أهله وامرأة لوط عليه السلام خرجت
عن طوعه وسجلت أعلى درجات الخيانة الزوجية في حياة النبوية وفي تاريخ شهيد الأمة المجاهد/ صدام حسين ـ الذي عرف بشدته وحزمه تلقى خيانة من "حسن كامل" وأخيه وهم من عشيرته وأزواج بناته وكانوا من
مكانة مرموقة.. فأحدهم حارس الرئيس الشخص والآخر وزير الصناعة والتصنيع العسكري وما كان ينقصهم المال والجاه والسلطان ولكن فغلبت عليهم شقوتهم فكانت الخيانة تجري في عروقهم مجرى الدم.
ومن خلال هذه السطور أشيد بفخامة رئيس الجمهورية المشير/ علي عبدالله صالح ـ لما بدر منه من تقديم تنازلات رائعة بروج الحكمة نزولاً.. عند المصلحة العامة وإخماد نار الفتنة التي يدعو إليها بقايا عصابة الردة
والانفصال وآخرون يدعون أنهم مصلحون "ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يعلمون".
سيدي الرئيس كنت ولازلت أرجو أن تكون السياق في الاستماع إلى صوت العقل المتحلي بالحكمة بعيداً عن ما يسمى بالتنظيمات الحزبية والأغلبية الساحقة.. فأنت الرئيس وستبقى إن شاء الله بأغلبية محبيك ومن يتمنون دولة
في مواقفك الكريمة الأصيلة من عامة أبناء الشعب وليس الأصوات المؤتمرية وإنني على ثقة بالغة أنك مدرك لذلك.. فأنت سليل قوم تحلوا بالحكمة المشهورة "الأرق قلوباً والآلين أفئدة" عنوانك الصفح ويدك بيضاء، لم
يسبق لها أن تلطخت بالدماء، حتى وإن كان لك إخفاقات أسبابها من حولك وحان الوقت استبدالها بالترفع عن سياسة التغيير من محافظ إلى وزير والعكس.
سيدي الرئيس إن لك أن تظل رئيسا إلى أن يشاء الله أو الاستقالة وتصنع تاريخاً مشرقاً تكتب صفحاته الناصعة البياض بأحرف من نور.. فرصيدك القومي الأصيل مشهود وشافع لك فمن وصم مبادرتك بقوله: "حركة
نصف كم"، ذهب بلا رجعة يجر وراءه أذيال الخزي والخيبة وبأقل من ربع كم فتباً لمن أتتهم الدنيا إلى تحت أقدامهم ورحلوا عنها بعذاب وخزي الدنيا ولعذاب الآخرة أشد لو كانوا يعلمون فذهبوا بما هو زائل وفاتهم ما لا يشترى
بأموال الدنيا إنه الوطن وحب شعبه وإن لمن رحلوا بهذه الصورة القاتمة والمفجعة أن يرددوا موال الفنان سعدون جابر: "أللي مضيع ذهب.. بسوق الذهب يلقاه واللي مفارق حبيب.. سنة زمن ينساه.. بس الضيع
وطن.. ولك الوطن يلقاه".
كما أدعوك يا فخامة الرئيس إلى تصفح كتاب "صدام حسين هذا "ما حدث" وهذا لا يكلفك من وقتك أكثر من زمن ارتشاف كأس من الشاي مع إشعال حبة سيجارة لتقرأ ما بين السطور صـ 141 + 334 ما تحدث به
عنك الشهيد/ صدام حسين حين قال: أما اليمن فيفترض أن يكون دورها أكبر خاصة بعد تجديد انتخاب الرئيس/ علي عبدالله صالح ـ لأنه رجل صاحب خبرة وقومي أصيل".
وهو الذي نبه ما وصلنا إليه اليوم قبل أربع سنوات صـــ233 حين قال: "إن المقاومة اللبنانية و المقاومة العراقة ستلقنان أميركا درساً في فهم الشخصية العربية وستنشط الذاكرة الغربية لمعرفة تاريخ النضال العربي فالاحتقان
في المنقطة العربية وأخشى من انفجار كبير يليه، والقوى التي تلعب بنتائج الانفجار محتشدة الآن، وأعتقد أن مصر والسعودية ثم المغرب هم المرشحون لهذا الانفجار.. فلو حصل أمر ما في السعودية، فستستغل الفتنة الطائفية،
وكذلك في مصر ولبنان وتمر لحظات صمت طويلة، كان الرئيس خلالها ينظر البعيد، ويبدو وكأنه يقرأ من ذاكرته الغنية".
مطهر الرعيني
عندما تصبح الحكومات والأنظمة خيول لا تصهل يتوجب عليها الرحيل! 1952